10 سبتمبر 2025

تسجيل

الجريدة الرسمية الإلكترونية

02 يناير 2018

قبل عشر سنوات من الآن وبالتحديد في تاريخ 19 يونيو 2007، نشرت في هذه الصفحة من جريدة الشرق القطرية مقالًا بعنوان: الجريدة الرسمية الإلكترونية (E-Gazzette) مقترحًا إنشاء جريدة رسمية إلكترونية لنشر التشريعات التي تصدر عن الدولة عوضًا عن نشرها ورقيًا. والسبب وراء هذا الاقتراح يعود إلى ما لاحظته من تأخر كبير في نشر القوانين وبما يخالف الدستور الذي حدد مدة أسبوعين لنشر أي قانون بعد صدوره من سمو الأمير. السبب في تأخر نشر القوانين يكمن في الدرجة الأولى فيما تتطلبه النسخة الورقية من الجريدة الرسمية من وقت لتجميع القوانين وتصنيفها وإعداد البروفات وإرسالها إلى المطابع ومراجعتها ثانيةً قبل صدور العدد.  لذلك فإن في وجود جريدة رسمية إلكترونية ينشر فيها أي تشريع بمجرد صدوره عدة فوائد منها: عدم مخالفة الدستور والالتزام بالمدة الزمنية التي يتطلبها لنشر القوانين، ومنها: توفير الجهد الذي يتطلبه إعداد الجريدة الرسمية الورقية عادةً، فليس هناك حاجة إلى السير عبر المراحل العديدة التي يقتضيها الإعداد الورقي من بروفات ومراجعات ومطابع وغيرها، وليس هناك حاجة إلى الانتظار حتى تتجمع عدة تشريعات كي تنشر في عددٍ واحد بل بالإمكان إدخال التشريعات أولاً بأول بمجرد صدورها.  كما أن في نشر التشريع إلكترونيًا تخفيض للتكاليف المالية التي تقتضيها الطباعة الورقية، وهذا الأمر يساعد في جعل الجريدة الرسمية في متناول الأفراد مجانًا، وبالتالي نخرج من مسألة فلسفية تتمثل فيما يجري حاليًا من عدم توزيع الجريدة الرسمية مجانًا على الأفراد بل تباع بأسعار محددة أو بقيمة اشتراك سنوي في حين إن نشر التشريع في الجريدة الرسمية في الحقيقة يفترض علم الناس كافة به، فكيف يفترض علم الناس به وهو ليس في متناول أيديهم ولا يمكنهم الحصول على نسخة منه إلا بالمال.  في العام الماضي صدر قانون رقم (12) لسنة 2016 بشأن الجريدة الرسمية، والذي نص على إنشاء موقع رسمي للجريدة على شبكة المعلومات الدولية، وكانت سعادتي به كبيرة فقد يلامس هذا القانون المقترح الذي نشرته قبل عشر سنوات من جعل الجريدة الرسمية إلكترونية. هذا القانون الذي صدر في أكتوبر من العام الماضي لم ينشر إلا في أكتوبر من هذا العام أي بعد عام كامل على صدوره، وهذه من المفارقات العجيبة، إذ يفترض أن يكون هذا القانون سببًا في عدم تأخر نشر القوانين فإذا به ذاته يتأخر كثيرًا جدًا في النشر.  يمكننا التوقف أمام بعض النقاط بشأن قانون الجريدة الرسمية الجديد، أولها ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (4) منه من أن "ينشأ للجريدة الرسمية موقع رسمي على شبكة المعلومات الدولية، تنشر به نسخة إلكترونية منها في ذات تاريخ إصداره، وذلك وفقًا للضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير". فالضمير في كلمة (إصداره) هل يقصد به الجريدة الرسمية أم يقصد به الموقع الإلكتروني أم يقصد به القانون أو التشريع بالرغم من عدم ورود كلمة قانون أو تشريع في الفقرة؟ في اللغة يعود الضمير إلى اقرب مذكور من جنسه، غير أن ليس في الفقرة شيء من ذلك غير كلمة (موقع رسمي)!، وإن افترضنا أنه يعود على ذلك فإن المعنى سوف يختل إذ أن الموقع ينشأ لمرة واحدة ولا يتكرر إنشاؤه وإصداره. وعليه ربما كان المقصود (العدد أو الإصدار من الجريدة الرسمية)، غير أن الكلمة جاءت مؤنثة في حين الضمير جاء مذكرًا.  يبدو أن الذي ينشر إلكترونيًا وفقًا لهذا النص هو الجريدة الرسمية كعدد متكامل يضم عدة تشريعات صدرت في فترة محددة، وليس نشر كل قانون على حدة بمجرد صدوره من سمو الأمير، بمعنى أن العدد من الجريدة الرسمية الذي يجهز للطباعة ورقيًا فيصدر سوف ينشر إلكترونيًا بمجرد صدوره أي صدور عدد الجريدة الرسمية ورقيًا. فإن كان هذا هو المقصود حقيقةً، فإن النص السابق يجعلنا نؤكد على أن ما جاء به القانون الجديد من النشر الإلكتروني لن يعالج مشكلات تأخر نشر القوانين.   أمر آخر نقف أمامه بشأن قانون الجريدة الرسمية الجديد وهو أنه على خلاف القانون السابق وردت فيه عبارات مثل (قيمة الاشتراك السنوي)، و(أسعار بيع الجريدة الرسمية لغير المشتركين فيها)، والذي نصت المادة (6) منه بأنها تحدد بقرار من وزير العدل، ولا أعلم إن كان ذلك ينصرف للنسخة الورقية أم يشمل أيضا النسخة الإلكترونية، غير أن هذه العبارات تدل على عدم تحقيق ما أشرنا له من مساهمة الجريدة الرسمية الإلكترونية في الخروج من مسألة فلسفية وذلك بجعلها في متناول يد الأفراد مجانًا.  أخيرًا كم كنت أتمنى أن يتم الإبقاء على قانون الجريدة الرسمية رقم (1) لسنة 1961، لكونه أول قانون صدر في دولة قطر قبل ما يزيد على 55 عامًا ونشر في جريدة رسمية قطرية. وأنه إذا اقتضى الأمر إجراء أي تعديل أن يجرى على القانون ذاته ولا يصدر بقانون جديد يحل محله.  هذا والله من وراء القصد.