12 سبتمبر 2025
تسجيل(سقط) الكأس من مكانه الآمن وتهاوى إلى الأرض فانكسر.. وانتشرت أجزاؤه الدقيقة كشظايا غرست أسنانها الصغيرة المدببة في كل مكان استطاعت الوصول إليه، وكأنها جائعة لحد الإجرام، بسبب المفاجأة والخوف لم أشعر لثوانٍ أن الدماء بدأت تنزف من قدمي، ولكني استوعبت ذلك بسرعة بعد أن بدأ الألم يرسل اشاراته إلي، التقطت منديلاً ومسحت به الجروح الصغيرة وأنا أفكر في ذلك (السقوط) البسيط الذي حول كوبي المفضل إلى أجزاء من المستحيل أن تعود إلى الاجتماع، وأن يعود كوبي لي، ثم أخذني تفكيري إلى الكلمة ذاتها (السقوط) ومعناها، هل تعني أن يسقط جسم ما من أعلى إلى أسفل بغض النظر عن وزنه وحجمه؟ وأن يتحول من طبيعته الساكنة فجأة إلى متحركة تهوي به بسبب قوى أخرى مؤثرة (الجاذبية الأرضية)؟ وهل كل الأجسام تسقط بنفس السرعة وتتعرض لنفس النهاية؟ طيب أين دور الهواء في تخفيف حدة هذا السقوط؟ أعتقد أن لكل سؤال من هذه الأسئلة إجابة علمية ومنطقية عند العلماء، ولكن ماذا عن (السقوط الآخر)؟!! عندما تسقط إنسانيتك من الأعلى إلى الأسفل وتنحدر كثير من الصفات التي تفصلك عن سائر المخلوقات الأخرى فتنحدر إلى الهاوية..؟!! هل ستتحول إلى أجزاء ككوب من زجاج مكسور؟ أم ستشعر بالألم كالألم الناتج عن ارتطام جسدك بأرض صلبة..؟! بالطبع لا، هنا الاختلاف لأن في تلك الحالات هناك نتيجة ونهاية سريعة فخلال ثوانٍ يقع السقوط وتقع النهاية، بينما السقوط الإنساني بمعناه الشامل يطول ويطول لأنه يتدرج تنازلياً من الأفضل إلى الأسوأ، وبين كل سقطة وأخرى يمتص الزمن من الإنسان شيئاً لا يستطيع إعادته، ولو عاد هو إلى ضميره وحقيقة إنسانيته، وهذه الخسارة الكبرى أن ينقضي العمر متمرغاً في سواد يشبه سواد امرأة ماجنة قضت عمرها كله بين الرذيلة والقذارة، وفجأة استيقظت بعد أن خسرت كل شيء، هذا التشبيه مجرد صورة واحدة من الآلاف السقطات التي تملأ البشرية.. وعالمنا العربي تحديداً مليء بسقطات اجتماعية وسياسية وأدبية وفنية واقتصادية مروعة، وكل هذا الانحدار سببه أننا تخلينا عن قيم انسانية وارتدينا ما يجعلنا أشبه بسكان الغابات، همنا أن نعيش وأن نأخذ كل ما هو ليس لنا حتى نسمة الهواء..!! أنا لست حزينة لأني فقدت كوبي العزيز ولا لأني أصبت بالجروح، لأن من أهدتني الكوب ستهديني غيره والجروح بالتأكيد ستشفى، ولكني حزينة لأني فقدت الثقة في أن نكون أفضل في عصر الحرية والديمقراطية وأن نصعد بإنسانيتنا إلى الأعلى بل على العكس أصبحنا نسير إلى اتجاهات أخرى؛ والدليل انظروا إلى ما يحدث في المنطقة العربية، انظروا إلى غزة وسوريا، إلى انتحاري العراق، إلى هيمنة أمريكا، إلى انقلاب الموازين في الإعلام، إلى الفقراء الذين يملؤون الأرض، إلى الأثرياء الذين يفجرون وهم ينهبون ذات الأرض، وإلى وإلى وإلى، نحن نتطور عمرانياً واقتصادياً، ولكننا ننحدر إنسانياً، هناك سقوط إنساني مريع، سببته قوى مؤثرة بيئية وإقليمية وسياسية واقتصادية، والمؤلم أنه ليس هناك شيء يمنع هذا السقوط من الانحدار أكثر، لأن ديننا الإسلامي أصبح للكثير مجرد انتماء في الهوية فقط. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح.. الدين اليوم أصبح اتهاماً، وتسيساً، وإن أبديت دينك كن حذراً!! فقد تكون من (الإخوان).