13 سبتمبر 2025
تسجيلقاب قوسين من الحلم والمأساة، يبدو اللون الأحمر سوريًّا، حيث تلعب الطائرات لعبتها مع الأهداف المشدودة بوثاق الحصار والفقر والظلم العتيد. ولم تكن حلب إلا "أم الفقير" و"أوّل منزل" و"قصدنا" في نشيد المتنبي العائد من جفوة المدن الكبيرة، وقسوتها، ولكنّ مدينة "الخيل والليل" صارت أبعد من لقاء، وأدعى لعتاب، قبل أن تتدعى الجهات الخمس، من "كلّ لسنٍ وأمّة"، فما يفهم الحدّاث إلاّ لغة القنابل ذات الرعد والبرق، والغيث الكريم، وفي حلب كانت "تشتّي" في الصيف والشتاء، ولم يكن زرع الموت قد نبت، كما ينبت اليوم. ولم أحبّ حلب كما أحببتها، أنا الذي عهدتها طفلًا يقوده أبوه إلى مطاعمها الشعبية، ثم يافعًا يهرع إلى دار السينما يشاهد الأفلام الهندية الطويلة، ثم شابًا يرى في جامعتها العتيدة نافذة إلى حلمٍ كسول، نعم، أحبّ حلب، حاراتها، وأسواقها، وقلعتها، ومطاعمها، وزملاء الأمس الذين تناثروا في الجهات، والأهل، أهلي الذين هبطوا إليها سبعينيات القرن الماضي، بعد جدب أحال كروم العنب أرضًا بورًا، هناك في الصاخور والهلّك والحيدرية والشيخ نجار وطريق الباب، وقد غدت قاعًا صفصفًا، وركامًا لا يصلح إلاّ للرثاء المرّ الذي لا نطيقه، ولكنّنا لا نجد غيره.حينما في حلب، يجر الموت عربة العيد، ويسقي القصف نبتة الطفولة، وتهوي البيوت الفقيرة على شارعٍ أسود. حينما في أيلول، أمدّ المجاز إلى آخره، لأعرف أن الصبر ناتج قسمة، وأنّ الحزن جواب نهائي، وما الدمار والقصف والتهجير إلا عمليات حسابية بسيطة، افترضتها المعادلة بمجاهيلها ومعاليمها.في حلب، وفي الطريق إلى الجامعة، كنت أمشي، وتهتز القصائد في عينيّ، فلا أصطاد منها إلا نزرًا يسيرًا في أمالي الجامعة، والآن، أهرب من كلّ القصائد التي لا تذهب إلى وجعها المديد.