13 سبتمبر 2025
تسجيلعرف المهتمون الروائي المصري يوسف زيدان في روايته " عزازيل " التي تحكي عن مرحلة منسية في حياة مصر في ظل انتشار الديانة المسيحية، وأثارت جدلاً واسعاً أسهم في شهرة الرواية غير جمالياتها التي توجتها بجائزة البوكر العربية قبل عامين. وغير بعيد عن عوالم عزازيل فقد جاءت رواية زيدان الجديدة: " النبطي" التي استكملت تاريخ مصر بالتوجّه شرقاً، في وعاء زمني ومكاني تتجمع فيه القوميات والأديان: " المصريون – الفرس – الروم – الأنباط ـ العرب ـ اليهود، النصرانية – الوثنية - الإسلام.". وذلك من خلال حكاية فتاة مصرية من أسرة مسيحية فقيرة تقيم في وادي النيل في الشمال الشرقي، تُخطب لرجل من الأنباط وتذهب معه إلى بلاد النبط شرقي سيناء. الشخصية المحورية مارية التي صارت ماوية تقف على مفارق لحظات تاريخية كشاهد على جلاء الفرس عن مصر وعودة الروم إليها، وعلى انتشار الإسلام في المنطقة، وعلى ظاهرة الكُهّان ومدّعي النبوة قبيل الإسلام وأثناءه. ماريّة التي تزوجت سلومة الأحول تأثرت من (النظرة الأولى) بأخيه الأصغر الذي جاء خاطباً، ومن هنا تأتي حكاية النبطي التي رسمها زيدان بشعرية فائقة بعيداً عن الشخصيات النهمة التي تنمّطت عن العصر الجاهلي، مستثمراً نجاح عزازيل في صناعة سوق قراءة جديد قوامه حكايات متخيّلة تسدّ فراغاّ عن تاريخ مهمّش، في مناخ سردي يناسب الحقبة التاريخية لايبتعد عن الفانتازيا التاريخية إذ أن من الصعوبة بمكان القبض على ملامح حقبة أفلتت من يد الكتابة، وظلت أسيرة شفاهية تعرضت للمحو والمبالغة. يحتفي يوسف زيدان بالمكان، وبشعرية فائضة يستغرق في تفاصيل المكان " مرابع الأنباط " وفي وصف البيئة النبطية، والمناخ الاجتماعي المتسامح الذي أفضى إلى وجود كلّ الديانات في أسرة مارية الجديدة: " يهودية الأخ الأكبر – نصرانية زوجها ـ وثنية الأم ـ وتديّن الأخ الأصغر دون أن يدين بدين سماوي على النحو الذي يذكرنا بأحناف الجزيرة "، ويتعاطف مع الأنباط كعرب متمايزين كانت لهم حضارة شمال الجزيرة ما لبثت أن تراجعت، مازجاً إياها باستلاب المصريين أمام الفرس والروم، وكأن زواج مارية من سلوم يشير إلى تعاطف المقهورَين أمام الطارئ، قبل أن يدين الجميع بدين الإسلام. النبطي الذي يقضي جلّ أيامه في الجبال والشعاب خارج مضارب القبيلة لايساعفه الحظّ في نشر نبوءته بانتشار الدين الجديد (الإسلام) وحتى عندما يستعين به المرتدون فإنه يتركهم لأنهم يطلبون منهم اختلاق نصوص يدعي أنها من الوحي، وفي الوقت نفسه يعزف عن مشاركة قبيلته الرحيل إلى مصر، ويظل وحيداً ترسمه عين مارية العائدة إلى أهلها كبطل مهزوم ونبيل. . ومارية التي أحبت النبطي وتمنّت أنه هو زوجها من لحظة الخطوبة، ظلت أسيرة ارتباط غامض به، لم يغامر زيدان بجرف بطله إلى شهوة عابرة، ارتباط روحي باحت به مارية في لحظة الوداع: " كان النبطي مبتغاي من المبتدأ وحلمي الذي يكتمل إلى المنتهى ". ولعلّ قارئ النبطي خارج حدود الاستمتاع بـ "الحدوتة" سيلحظ أن يوسف زيدان يقف على أطلال مرحلة سابقة بكثير من المحبة التي تدعو إلى العجب.