11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد قرار الرئيس بايدن المفاجئ الأسبوع الماضي بالتنحي الطوعي والتخلي عن السعي للترشح لرئاسة ثانية وأخيرة تتوج حياته السياسية لأكثر من خمسة عقود من انتخابه أصغر عضو مجلس شيوخ-مرورا برئاسته لجنتي الشؤون الخارجية واللجنة القضائية في مجلس الشيوخ وعمله نائبا للرئيس أوباما في فترتي رئاسته، وفوزه بالانتخابات الرئاسية بهزيمة خصمه اللدود دونالد ترامب عام 2020. وحتى إعلانه المفاجئ في21 يوليو الجاري تراجعه عن الترشح، ودعم نائبته كامالا هاريس بتمثيل الحزب الديمقراطي، ما ينهي مشواره السياسي الحافل. وهذا يجعل الرئيس بايدن رئيسا لفترة واحدة كحال جونسون وكارتر. ويحرر الرئيس بايدن من أعباء وهموم المواجهات المهرجانات الخطابية والمناظرات ويمنحه الوقت الكافي ليخطط وينجز في الستة أشهر المتبقية من رئاسته تحقيق إرث إنجازات عمله السياسي. شكل قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من سباق الرئاسة الأمريكية بطريقة دراماتيكية ودون التحضير والتسريب المسبق للإعلام كعادة الأمريكيين-في عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي صدمة وصفتُها بالزلزال. هزت النظام السياسي والدولة العميقة في واشنطن-وذلك بضغط قيادات حزبه الديمقراطي ومطالبات من عشرات النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وقيادات حزبية الرئيس بايدن بالانسحاب من سباق الرئاسة بسبب ما بدا واضحا تراجع قدراته العقلية والإدراكية وتشكيك كثير من الأمريكيين ومن داخل الحزب الديمقراطي بقدرته على قيادة الولايات المتحدة والنظام العالمي لأربعة أعوام ونصف قادمة في حال فوزه بالرئاسة... وكذلك لتراجع فرص فوزه أمام ترامب الذي وسّع الفارق معه في استطلاعات الرأي. وخشية الديمقراطيين من خسارة متراكمة للبيت الأبيض والأغلبية الضئيلة في مجلس الشيوخ وخسارة مزيد من مقاعدهم في مجلس النواب. لكن ما أقنع الرئيس بايدن بالتنحي هو لعدم إساءته لإرثه وسجله السياسي على مدى خمسة عقود من أصغر عضو مجلس شيوخ في ثمانينيات القرن الماضي إلى أكبر مرشح للرئاسة!! يحتفل بايدن بميلاده 82 في نوفمبر القادم-وهذا يجعله أكبر رئيس بتاريخ الولايات المتحدة يرشح للرئاسة في عامي 2020 و2024! انسحاب بايدن وانتظاره أربعة أيام ليخاطب ويشرح للشعب الأمريكي أسباب تنحيه كان صادماً-وترك علامات استفهام حول مبررات ذلك؟ لكنه سارع لإعلان دعم نائبته كامالا هاريس مرشحة لمنصب الرئيس في مواجهة دونالد ترامب وجي دي فانس عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 5 نوفمبر القادم. كان مبهرا ترشيح حارس بتوحيد الحزب الديمقراطي بعد تردد بعض قياداته بقيادة الرئيس أوباما ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بولسي وقادة بعض اللجان-الذين آثروا توحيد وتماسك الحزب الديمقراطي وتصويب بوصلته دعماً لمرشحة حزبهم هاريس.. لكن هناك تحديات عديدة تقف بوجه كامالا هاريس والديمقراطيين في سعيهم للاحتفاظ بالبيت الأبيض، وأغلبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ، وطموحهم بعد جرعات تفاؤل وارتفاع أسهم كامالا هاريس بعد جمع أكثر من 81 مليون دولار في 24 ساعة و100 مليون دولار بعد 48 ساعة من انسحاب بايدن وإعلان هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي من التبرعات المالية لحملتها الانتخابية. شكل دعم والتفاف الحزب الديمقراطي وقياداته وخاصة الرئيسين أوباما وكلينتون ورئيسة مجلس النواب السابقة بلوسي ورؤساء الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ وأعضاء مجلس النوب وأعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات الديمقراطيين وانتزاعها عددا كافيا من المندوبين لتصبح المرشحة المحتملة الضامنة لترشيح حزبها الديمقراطي لمنصب الرئيس عن في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي بعد ثلاثة أسابيع في مدينة شيكاغو. تسود حالة من النشوة وعودة حلم وأمل الديمقراطيين بإمكانية هزيمة ترامب ونائبه الذي لا يقل تطرفا عنه، وأجندته الإقصائية، المعادية للأقليات والمهاجرين واللاجئين. خاصة وأن آخر استطلاعات الرأي تضع المنافسة بينهما بفارق نقطة واحدة 48% لترامب و47% لهاريس بينما كان الفارق بين 4 و6 نقاط لمصلحة ترامب ضد بايدن قبل انسحابه. لكن يبقى التحدي كبيرا أمام هاريس والحزب الديمقراطي في هزيمة ترامب وجماعته في أمريكا المنقسمة وتشهد موجة من العنف السياسي تمثل بمحاولة اغتيال ترامب قبل أسبوعين وتحذير الجهات الأمنية من مخاطر أعمال عنف تصاحب الانتخابات الأهم بتاريخ أمريكا الحديث منذ عام 1968. أربك ترشيح هاريس خطط ترامب والجمهوريين. وشن ترامب وجناحه المحافظ (MAGA)-لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً-هجوما قاسيا على كامالا هاريس لإثارتها مخاوفهم وتغييرها خططهم وقواعد اللعبة، ولتحفيزها الناخبين والنساء والأقليات. ليشكل ذلك تحدياً مختلفاً عن بايدن. لم يعد بقدرتهم مهاجمة بايدن العجوز والمتراجع ذهنيا ونشاطا. صار ترامب اليوم هو المرشح العجوز والأكبر سنا بين مرشحي الرئاسة(78) مقارنة بهاريس(59). هاريس امرأة تُحرج ترامب ونائبه المعادين لحقوق النساء والرافضين حق الإجهاض والتحول الجنسي، ما يعد استفزازا لا تقبل به الحركات النسوية ومعظم النساء في الولايات المتحدة. كما تملك هاريس سجلا قويا بصفتها عملت مدعية عامة في أكبر ولاية-كاليفورنيا وتحذر ترامب بترديده أعرف أشكال ترامب جيدا لأنني: «حاكمت محتالين ونصابين ومعتدين على نساء مثله»! كما تملك حملة هاريس أموالا طائلة لتمويل حملتها حملات إعلانية واسعة ودعايات في المدن الكبرى في الولايات المتأرجحة الحاسمة للفوز بالرئاسة. وكررت أنها مستعدة لمواجهة وتعرية ترامب في مناظرة علنية! تتوقع كامالا هاريس تهجم شخصية عليها-سارع ترامب لوصفها بالكاذبة والليبرالية المجنونة!! ونبش فضائح عن ماضيها وربطها بفشل بايدن والتستر على وضعه الصحي! للطعن بكفاءتها! لذلك عليها المفاضلة بدقة بين مرشحي نائب الرئيس-يكون رجلا أبيض وقياديا حزبيا من حكام إحدى الولايات المتأرجحة أو عضو مجلس شيوخ، لتوازن وتعزز فرص هزيمة ترامب-فانس-لتفوز وتصبح أول امرأة-رئيسا، ومن الأقليات بعد أوباما، ومن خلفية سوداء(والدها جاميكي) وآسيوية(أمها مهاجرة هندية) وتصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وتصنع التاريخ بكل معنى الكلمة...لكن دون ذلك مفاجآت وتحديات وصعوبات!