11 سبتمبر 2025

تسجيل

شروق وغروب

28 يوليو 2020

في سماء الديار المقدسة، تتدافع مئات ملايين قلوب المسلمين لتضم مكة المكرمة والمدينة المنورة بحب وإجلال وشوق، وتنقل للمسجد الحرام والمسجد النبوي مواجع شقيقهما: المسجد الأقصى الذي يعتصر الأسى فؤاده لأن المُعدات التي يستخدمها الصهاينة لهدمه تُمَوَّلُ من دولٍ يُفترَضُ أنها مسلمةٌ وعربيةٌ. ثم تنتبه تلك القلوب للألم العظيم في قَلبَيْ المسجدين المبارَكينِ، فتحدثانهما عن تركيا وشعبها وقائدها: رجب طيب أردوغان الذي أسعد المسلمين بإعادة متحف آيا صوفيا إلى طبيعته كمسجدٍ، وتخبرانهما عن مئات الألوف الذين انتظروا أياماً في ساحاته، والشوارع المؤدية إليه، ليشهدوا بداية عهدٍ جديدٍ يلوح فيه أملٌ كبيرٌ بتحرير الأقصى، وعزةٌ وكرامةٌ ونهضةٌ للأمة الإسلامية. وكما هو مُتَوَقَّعٌ، كانت الإمارات سباقةً في إعلان الحرب على هذا الحدث التاريخي، فخرج عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبوظبي، بتغريدةٍ يُطالب فيها بالتضامن مع اليونان ودعمها ضد تركيا. ونسأله، نحن المسلمين، عن الأنا المُتضخمة في نفوس القادة الإماراتيين التي تجعلهم يتوهمون أنهم قادرون بحجومهم الضئيلة على القيام بدور في إدارة صراعٍ مع قوةٍ كبيرةٍ دولياً، وعظمى إقليمياً كتركيا. الحقُّ يُقال إن الإمارات أنهكت كثيراً من الشعوب العربية بمؤامراتها، وإراقتها للدماء، وتدميرها للأوطان، لكن ذلك لا يعني أنها دولة مؤثرة حقاً، لأنها لا تملك إلا المال والعقلية التآمرية، وليست دولةً ذات مشروع حضاري. ونقول لعبد الخالق إن عليه متابعة النكتة السياسية في الشارع العربي ليعرف مدى العداء الشعبي لسياسات بلاده التدميرية، والتأييد لسياسات تركيا بقيادة أردوغان، ونُحيلُهُ إلى تعليقينِ ساخرينِ لمواطنينِ عربييينِ على وَسْمِ: الإمارات إلى المريخ، قال أولهما: "كان الله في عون المريخيين فقد وصلت الإمارات إليهم"، وقال الثاني: "أنصح الأشقاء المريخيين بسرعة توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، وإلا سيصبح كوكبهم كاليمن وليبيا". أما السعودية، فقد أطلق سعود القحطاني أسراب ذبابها الإلكتروني حاملةً كميةً هائلةً من البذاءات والأضاليل التي تكشف عن سطحيةٍ في التفكير، وضحالةٍ في الثقافة، وانسلاخ عن روح الإسلام الحنيف. وهذا الأمر ليس مستغرباً، فالسياسة الخارجية للسعودية يصنعها ثلاثة أشخاص: الأول، هو ولي عهد أبوظبي الذي أجاد استغلال وجود خلل في الرؤية الاستراتيجية للقيادة السعودية، فأخذ يرسم لها سياساتها، ويستنزف لصالحه ما بقي لها من رصيد معنويّ ضئيل جداً. والثاني، هو سعود القحطاني الذي يُعاني من فُصام حاد، وجهل معرفيّ، وانعدام الركائز الأخلاقية القويمة في نفسه. والثالث، هو تركي آل الشيخ الذي تُعذبه عقدة الشعور بالدونية، وتدفعه للتصرف كطفلٍ أرعنَ مدللٍ، ولإهانة الذين كان لا يستطيع أن يلتقي بهم حتى في خياله كالأميرين الوليد بن طلال وتركي بن سلطان. وبالطبع، فإن ما يقوم به هؤلاء الثلاثة يجد له قبولاً لدى القيادة السعودية المُدركة لغروب تأثيرها العربي والإسلامي والدولي، وشروق شمس القيادة التركية التي تخاطب المسلمين بلسان التنمية والنهضة الحضارية لبلادهم. في مصر، فقد كانت الحالة مضحكةً مبكيةً في آنٍ؛ فلا أحد يتحدث عن المصائب القادمة بسبب سد النهضة، لأن الجميع يعلمون أن السيسي وقعَ بالقبول على بناء إثيوبيا للسد سنة 2015م، ليحقق هدفين: الأول، إضعاف مصر لتصبح مجرد دولة وظيفية تُديرها دولة وظيفية أخرى هي الإمارات. والثاني، تحقيق حلم الصهاينة بتحويل جزء من مياه النيل إليهم عَبْرَ سيناء كشرطٍ لتزويد مصر نفسها بما تحتاجه منها. وفي هذا الجو المشحون بمخاوف الشعب المصري من المستقبل، يخرج السيسي في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1952م، لا يتحدث فيه بكلمة عن سد النهضة أو ليبيا، وإنما عن أمور لا معنى لها، ولا أحد يصدقها. ولذلك، لا نتعامل، نحن العربَ والمسلمين، بجديةٍ مع أي قضيةٍ يتحمس لها الإعلاميون المصريون، لأننا نعلم أنهم سيغيرون مواقفهم مباشرةً بأمرٍ من المخابرات يصلهم عَبْرَ تطبيق الواتس أب. إنه إعلام بلا أخلاق وطنية وعربية وإسلامية، ولا شرف مهنياً يلتزم به. كلمة أخيرة: الأمة لا تجتمع على ضلالة، لذلك انفضت عن قيادتي الإمارات والسعودية، واجتمعت على تأييد ودعم تركيا بقيادة الإنسان المسلم الصادق: رجب طيب أردوغان. [email protected]