12 سبتمبر 2025

تسجيل

بين الكيان والمكان

28 يوليو 2015

أكثر ما يقبع في الذاكرة هو آخر ما تتلقفه حتى وإن كان ذلك في آخر اللحظات، وأكثر ما يشغلها تلك الذاكرة؛ ليمتد من حولنا فننشغل به ولفترة لا بأس بها من الزمن هو أول ما نلتقطه بعد أن يقضم اليوم ساعته الأولى، وبين هذا الذي ذكرته وما سبقه فلاشك أن ذاك الذي أتحدث عنه وأرمي إليه هو الخبر الذي ترك أثره الفعلي على النفوس؛ ممتداً من يوم الأحد وحتى هذه اللحظات والحديث عن رحيل محمد اللنجاوي، ذاك الصرح الذي سخر كامل جهوده في سبيل تقديم كل ما عليه من مهام على خير وجه، الأمر الذي جعله في مصاف الأكثر إنجازاً، خاصة إن تناولنا الجزء المتعلق بالطفل وعملية غرس جميل القيم في أعماقه، وهو ما قد تحقق من خلال استثماره لكافة المعطيات التي وُفرت له في ذاك الحين امتداداَ حتى تلك اللحظات التي لا تبتعد عنا كثيراً، وإنه لشرف عظيم أن تمتد رحلة العطاء تلك؛ لنعيش تفاصيلها منذ أن كنا صغاراً وحتى هذا العمر، الذي تعلق فيه صغارنا باللنجاوي ولكن بشخصية (العم مصلح) هذه المرة، وهي تلك الشخصية التي قدمت البهجة وبشكل جديد تمكن من أصحاب القلوب الصغيرة، فارتبطت البهجة بصورة اللنجاوي رحمة الله عليه، التي أصبحت كمرآة تعكس البهجة الحقيقية على مر الزمان. حين تلقينا خبر وفاة اللنجاوي رحمة الله عليه تفشى الحزن بين من أدرك تلك الفرحة التي اعتاد على بثها بين الجميع، وعانت وسائل التواصل ‏الاجتماعي من الزحام الشديد، الذي أحدثه خبر وفاته، ولم يكن ليخمد ذاك الزحام؛ بسبب المحبة التي يكنها الجميع للمرحوم، كما تضاعف حجم الدعاء المُخصص له؛ لقاء كل ما جاد به في حياته، وإنها لنهاية تُسعد القلب وتُحيي صاحبه حتى وإن رحل عنا، فما أجمل أن تبقى أعمالنا حتى وإن رحلنا؛ ليتذكرنا بها الآخرون فيجود كل واحد منهم بالدعاء لنا حين لا ينفع سواه الدعاء. في كل يوم يخسر أحدهم عزيزاً فيرسم الحزن ملامحه على الوجوه، وتتمكن مشاعر الشوق منها؛ لتواجه من بعد ذلك رحلة ينقصها وجوده ذاك العزيز، الذي وعلى الرغم من رحيله إلا أن مكانه يظل محافظاً على ذاته، تماماً كما حدث مع أبي رحمة الله عليه، الذي رحل عنا بكيانه وظل مكانه، الذي مازلت أشعر به في كل يوم أعيشه، وكأنه هنا في الجوار معنا، فكان وقع الحزن الذي وقع على رأس العامة برحيل اللنجاوي مُذكراً لكل ما مضى، وعلى الرغم من أني لم أكن لأنسى أبي رحمة الله عليه يوماً إلا أن مشاعر الشوق قد تمكنت مني وبقوة هذه المرة، فكان أن استرجعت شريط حياتي معه، وتذكرت كل تلك المحطات الجميلة، التي تعلمت منها وفيها الكثير، وتحديداً تلك المكافأة التي اعتاد على تخصيصها لي كل صباح وهي دعوة صادقة من قلب صادق يحرص على أن يتلاشى بها ومعها كل الخوف، الذي يقض مضجعي ويسلبني راحة بالي، ولكنه ينتهي دون أن يتبقى منه أي شيء بفضل دعاء أبي رحمة الله عليه لي، والذي امتد إلي فصرت ادرك قيمته وأهميته بالنسبة للأحياء وللأموات أيضاً، والوعد بأن نُحافظ عليه ونلتزم به. مما لاشك فيه أن الحزن هو ذاته متى فقد القلب عزيزاً، والعزيز الذي فقدته منذ زمن وهو أبي رحمة الله عليه صاحب منزلة عظيمة في نفسي، كما هو الحال مع اللنجاوي الذي اعتاد على أن يكون أباً لكل الأطفال، الذين تأثروا برحيله، وسيتذكرونه حتى وإن مضى بهم الزمن، فهو من غرس في أعماقهم معنى البهجة، واستبدل حزنهم بفرح شديد تخللته تلك الضحكات البريئة، التي وبمجرد أن تطل عليهم حتى تعود الابتسامة إليهم من جديد، وهي ذاتها تلك التي سبق لها وأن امتدت ووصلت إلى صغيري مبارك — ابن أخي — الذي تعلق قلبه بالعم مصلح كما سبق وأن فعلنا؛ ليعيش طفولة جميلة ممتدة من زمن جميل (لا حرمنا الله منه ذاك الزمن) اللهم آمين. آخر المطاف لقد فرت مني الكلمات بمجرد أن بلغت هذه السطور، والحق أني وإن كنت أملك الكثير، إلا أنه يظل قليلاً وضعيفاً لا قدرة له على المتابعة؛ لذا فلتعذروا تقلص حرفي، وليكن الخير في اللقاء القادم، وحتى يكون لنا ذلك فليوفق الله الجميع. ومن جديد راسلوني بالجديد: [email protected]