14 سبتمبر 2025
تسجيلمن الجيد أن يخضع المرء منا لجلسة مُحاسبة ذاتية تبدأ منه، وتنتهي به ومن أجله، وتكون سرية للغاية لا تسمح بتطفل الآخر، الذي لا يملك حق معرفة ما يدور خلالها وفيها، فهو ما لا يخصه ولا يعنيه، ولكن يخص صاحبنا، الذي يعيش حالة من الترقب لحكم سيُقرر مصيره، وسيوجهه نحو مرحلة جديدة سيدرك معها وفيها كل الخير الذي يرغب بل ويحلم به، وسيكون له فعلاً متى التزم بتنفيذ الحكم الصادر بحقه بكل ما فيه، والحق أن من يفعل ذلك يكون قد بلغ تلك المرحلة بعد أن تصالح مع ذاته، وتخلص من كل ما كان منه في الماضي، الذي لن يحتاج إليه في المستقبل حيث الجديد الذي يبحث عنه وسيحصل عليه متى أخلص له، وكرس كل ما فيه من أجله، فهل سينتهي بك الأمر هناك حيث ذاك الجديد الذي يحمل بين طياته تلك الراحة المرجوة؟ منذ أيام فقط كنا نُبارك بعضنا البعض دخول رمضان، ونتبادل النصائح التي يمكننا بفضلها التقدم بأفضل ما لدينا خلاله، والآن وبعد رحلة زمنية خاطفة شهدت على الكثير منا بلغنا الأيام الأخيرة التي ستطوي وعما قريب صفحة الشهر الفضيل، الذي يحتاج لتلك الجلسة -التي تحدثت عنها آنفاً- من كل واحد منا؛ كي يراجع ما كان منه، ويُحاسب ذاته عليها دون أن يُمرق الأمر وكأنه لم يكن؛ وذلك لأن هذا النوع من المُحاسبة يجعلنا نُصنف ما قد كان منا، ومن ثم نُفرز الأفضل؛ كي نفتخر به، ونتفاخر؛ ليعقب ذلك سعينا للتقدم بما هو أفضل منه في مراحل لاحقة سندركها بإذن الله تعالى. وماذا بعد؟ لا عيب في أن نتقدم بما يشكو من العيوب، ولكن العيب كل العيب في أن نُصِر على الالتزام بذاك النهج دون أن نبحث وبشكلٍ جدي عن وسيلة جديدة تُخلصنا من الوقوع في تلك الحفرة، التي وإن سلمنا لها واستسلمنا فلن نتمكن من مغادرتها؛ كي نأتي ومن بعد بجديدٍ يُعبر عنا كما نريد. كثيرة هي تلك اللحظات التي تشهد منا محاولات عديدة للتقدم بما نريده، ولكننا وفي منتصف الطريق نكتشف أن الوضع يعاني من خللٍ (ما) بسبب تقصير كان في مرحلة من المراحل السابقة، ويستدعي منا العودة إليه؛ كي نُصلح الأمور ويعود كل شيء إلى صوابه، ثم ومتى انتهينا من ذلك وطوينا صفحة الماضي انتقلنا لصفحة جديدة ومستقبل جديد سيُسرنا كل ما سيكون منه وفيه، فهو ما نستحق بأن نحظى به بعد رحلة بذلنا فيها الكثير وتقدمنا بما هو أكثر؛ كي نخرج بتلك النتيجة، التي ستنكمش من أمامها كل المصاعب التي سبق لنا وأن واجهناها، ولن تجد لها مكاناً تسرح فيه. الهدف الذي نرجو تحقيقه لقد شهد الشهر الفضيل منا سلك العديد من المسارات، التي لم تتجاوز -وعلى الرغم من اختلافها- حدود السباق الرمضاني، فكل ما كان منا وسيكون في الأيام القليلة القادمة هو ما قد سخرناه من أجل تحقيق هدف الفوز بالأجر العظيم والمُضاعف، وهو ما لا يعاني من أي عيب يستوقفنا، ويُجبرنا على مراجعته كهدف قائم بحد ذاته، ولكنه ما يُلزمنا بالتفكر في طبيعة المسار الذي نُسلكه في سبيل تحقيق ذلك؛ لأن الهدف أياً كان حجمه، لن يدرك طعم الفوز؛ لندركه نحن أيضاً حتى تكون الخيارات سليمة والمسارات صحيحة، والنية التي تُشجعنا على كل ذلك صافية لا يعكرها أي شيء، فهل كل ما قد تقدمنا به يخضع لهذه الشروط؟ كصفحةٍ بيضاء ما مضى قد مضى ولن يعود أبداً، وما كان منه سيخضع لنفس المصير؛ لذا وقبل أن تتحرك من مكانك، راجع نفسك وحاسبها على ما كان منها؛ كي تخرج من تلك الجلسة نقياً كصفحة بيضاء لا يشغلها سواه ما قد تبقى ويستحق منها التفكير به وبالكيفية التي ستتمكن بها من استثماره على خير وجه ستفتخر به بإذن الله تعالى، وستبدو ملامح كل ذلك جلية في سماء حياتك، حين تشعر براحة لم يسبق لك وأن أدركتها من قبل، ولك الحق بإدراكها متى التزمت بكل ما عليك، وحتى تفعل نسأل الله التوفيق لك وللجميع (اللهم آمين).