28 أكتوبر 2025
تسجيلقد يكون السبب في التكبر إنما هو ظن دوام النعمة وعدم التحول عنها ، ذلك أن بعض الناس قد تأتيه النعمة من الدنيا ، وتحت تأثيرها وبريقها يظن دوامها أو عدم التحول عنها ، وينتهي به هذا الظن إلى التكبر أو الترفع أو التعالي على عباد الله ، كما قال صاحب الجنتين لصاحبه : { ... ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ، ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا } ، وكما قال الله عن الإنسان :{ ... ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ، ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى } . أو قد يكون من أسباب التكبر : الظن باستحقاقه لها لسبق بفضيلة أو أكثر من الفضائل : كالعلم أو الدعوة أو الجهاد أو التربية أو نحو ذلك . ذلك أن بعض الناس قد يحبوهم القدر بفضيلة السبق في بعض خصال الخير ، وإذا بهم ينظرون إلى اللاحق نظرة ازدراء واحتقار ، ولسان حالهم أو مقالهم ينطق في استكبار : ومن هؤلاء الذين يعملون الآن ؟ لقد كانوا عدما أو في حكم العدم يوم أن مشينا على الأشواك ، وتحملنا مشاق ومتاعب الطريق ، حتى عبدناها لهم ولغيرهم من الناس .وقد لفت المولى سبحانه إلى هذا السبب أو إلى هذا الباعث حين بين : أن السبق لا يعتبر ، ولا قيمة له إلا إذا كان معه الصدق ، فقال :{ و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } .{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ..... } إلى قوله { ربنا إنك رءوف رحيم } .ولم ينظر المولى سبحانه إلى سبق هؤلاء إلا من خلال ما قدموه من الأدلة على صدقهم وثباتهم على الحق ، مثل : الهجرة و النصرة واتباع سبيل المؤمنين ، وحسن الصلة بالله ومعرفة الفضل لذويه ... وهلم جرا .وهكذا صار مبدأ الإسلام :( ليس الفضل لمن سبق ، بل لمن صدق ) وصدق الله :{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }