12 سبتمبر 2025

تسجيل

كومة من العجز

28 يونيو 2012

على أذرع الصيف تغني الأحلام سخونتها، تفرك في جبين الصباحات اللاهبة حكاياتها وأسمائها، تنادي شيئاً ما قادم، هي تشعر به، تنتظره، ترقص له، تغفو بصمت في نهاية كل مطاف حالم.. واهم، في كل فصل آت لها أمل بعيد، في كل نهار مشرق لها شوق جديد. إنها الآمال ابنة الأحلام الشرعية وعرابة الإنسان، ذلك الكائن الضعيف المتذاكي، العجل المستقوي، الذي يخدع دائماً بجسمانه حركة الحياة من حوله فيظن بخداعه هذا أنها من الممكن أن تنساب كما يريد وأين يشاء، كذبة يبتكرها ليتخطى واقعه العنيد وعجزه الأكيد برغم كل شيء وتستمر الحياة. قد لا يعني الاستمرار الاستسلام ولكنه بالتأكيد يعني الانسجام، فلا مخرج من قدّر أحاطك إلا برحمة منه سبحانه، البعض منا يقف عاجزاً بين ما يريد وما يراه حوله، لا يستطيع اتخاذ موقف أو أخذ حق أو مجاراة حقيقة، وفي كل الأحوال العجز شعور مؤلم لأنه يجلب التعاسة، فطبيعة النفس البشرية دائماً متطلبة، راغبة، لاهفة خلف كل اشارات الحياة، ومجرد العجز عن الحصول على شيء من بريقها تحل التعاسة كلعنة لا تنتهي إلا بلذة الحصول على المراد. وكثير منا عاجزون أمام الحياة لا يستطيعون نيل أحلامهم، قد تكون قدرتهم ضعيفة وقد يكون الحلم أكبر من أن يحقق أو خارج عن المنطق وفي كل الحالات تعود إلى تكوين هذه الشخصية وظروفها النفسية والبيئية، لماذا خصصت فقط هاذين الجانبين لأنهما أساس تكوين العقل البشري فالظروف النفسية وليدة البيئة والبيئة وحدة القادرة على تشكيل الأفراد بظروفها حيث تستطيع توجيه السلوك والميول الفردية نحو اتجاه أو توجه معين يتبع سياسة ما أو نهج ما أو تقليد ما في النهاية قادرة على تهييج الأهداف أو قتلها بسهولة. دائماً أفكر أن هذا النوع من العجز سهل تغييره إذا ما أراد الانسان حقاً أن يتغير أو أن يغير شيئا ما فيه أو حوله ولكن الأسوأ هو أن تفقد القدرة الجسمانية والعقلية التي تساعدك للاستمتاع بالحياة أو الحصول على السعادة، وهؤلاء ربما شعورهم أقسى وأكثر إيلاماً لأنهم قد لا يجدون فرصة للمحاولة وربما أصعب لأنهم لا يتحدون فقط عجزهم بل حتى العالم من حولهم الذي قد يتنقص من قدرتهم أو ينظر إليهم بشفقة فصراعهم من جانبين كان الله في عونهم. الظروف القاسية أو الصعبة تقف حاجزاً بالمرصاد للطموحين الراغبين في الوصول إلى ضفة يختارونها فهناك من يمتلك كل شيء ولكن تعاكسه الظروف ويحاربه الأقوياء والخبثاء وأحياناً الأغبياء، وهنا قد يكون القهر أكبر لأنه يدرك أنه يستطيع أن يكون أفضل بحلمه وهدفه ولكن تعانده الدنيا ومن فيها فينتهي في أوج عطائه ويتحول إلى كائن تقليدي شاء أم أبى وما أكثرهم هؤلاء الشباب من الجنسين الذين اختاروا الركون إلى الهدوء والانعزال والدخول في دائرة الروتين فقط ليتجبنوا الألم والخيبة في كل مرة. في داخل كل منا جزء ما عاجز.. عاجز عن التفاؤل عن الحب عن العمل عن أي شيء ولكن والمهم في داخل كل منا حلم جميل لا يهم ما هو وهل يمكن أن يتحقق أم لا المهم أن هناك شيئا ما يدفعنا للحياة يحركنا لنستمر وما أجمله إذا كان مع محاولة دائمة. تغيير الأشياء من حولنا مهمة صعبة فنحن لسنا خارقين فقط الانسجام وتفهم التعقيدات يساعدنا لنتأقلم بشكل أفضل وأجمل، وكما قلت المحاولة دائماً سر للاستمتاع بالحياة فليس كلنا نستطيع أن نكون سعداء وأيضاً ليس كلنا نريد أن نكون تعساء. العجز لا يعني الفشل ولا يعني نهاية الكون دائماً هناك بداية في مكان ما قد تكون بداخلنا وقد تكون حولنا علينا فقط أن نؤمن بأنفسنا وبقدراتنا ونحمد الله دائماً على أقل النعم وأكثرها والأهم أن نحارب من أجل حلمنا ولو بكينا أو تألمنا أو بتنا ليالي على قهر ووجع المهم أن نصل إلى أي شيء جميل يشبهنا، فكروا في ذلك فأنا مثلكم أعاني العجز أمام الظروف ولكني أقاوم أحياناً وأرتخي أحياناً في النهاية سأصل إلى شيء ما وأحب أن تكونوا أفضل مني. لست خجلة من عجزي ولو كنت تعبة من اللهث خلف فرصة للراحة.. أشعر بالتراخي كثيراً فألزم الصمت دون اختيار وياله من خيار يقصمني حين لا أكون مستعدة.. لا أعرف ماذا يخبئ لي القدر وماذا ينتظرني هناك على حافة المجهول! خائفة من الحياة فوق الأرض وتحتها! ربما لأنني فشلت كثيراً في أن أتجنب الأخطاء والحكمة أمام الظروف!. السنوات قد بدأت تخط في روحي ملامح التعب وتعاسة الخذلان الذي يصعقني به من اعتقدت أنهم مرفأ للنجاة! ولكن ماذا أفعل! وإلى من ألتجأ والجميع مثلي يتعلقون بالوهم ويصدقونه ويمارسونه معي! لم تعد أنفاسي المتقطعة تحتمل المزيد من الركض والمزيد من الخذلان.. لم تعد قادرة على أن تواصل خدعة المكابرة والعناد! أحتاج إلى شاطئ أرمي عليه أضلعي الهشة تحت خط الوجع والعجز.. ولكن الشطآن دائماً تخدعني حين أزج بأول خطواتي عليها وتطوي رمالها بسخرية في صد عن خزعبلاتي الواهمة! حتى وجدت نفسي لاجئة دائمة في فضاء من العجز لا ينتهي! كم هذا قاسٍ..