12 سبتمبر 2025

تسجيل

منى

28 يونيو 2011

نحيلة كما العود اليابس على طرف نهر جار، صغيرة كما البرعم المتعلق بجذع كبير قاس، رقيقة كما حكاية حب في شفاه فقيرة حالمة بأمير بعيد، بعيد جداً، صوتها كالأمل في عيون فلسطينية تنتظر رشفة وطن، اقتربت من الموظف مرتعشة، تسحب خطواتها الضعيفة الضائعة، من بين دموع محبوسة ورجفة تكاد تسقطها، بعد برهة نطقت: — هل لك أن تساعدني؟ — تفضلي أختي من بين شهقات البكاء سردت مشكلتها، حزنها حرك الموظف لينهض ويناولها منديلاً وهو يحاول تهدئتها بحنان الأخ قال الموظف: — لا تبك أختي، الموضوع بسيط إن شاء الله، في الدولة قضاء وسينصفكِ ذهبت بعد أن دون لها كل المعلومات والأسماء، وغابت فترة من الزمن عادت بعدها إليه مع والدتها الكبيرة، تشكرانه على مساعدته، وتدعوان له ولاخواته بالستر والصلاح. انتهت قصة منى وبقيت الحكاية عالقة في رأس الموظف، الذي قال لي: الأنثى ضعيفة تحتاج إلى لمسة حنان، قد تلتجئ لأي شخص قد يمنحها كلمة طيبة أو رقيقة، هي كالنبتة الغضة تميل نحو الضوء لحظات الاحتياج، فتميل بميلانها وتستقيم في استقامتها. وهذا يجعلها عرضة للانزلاق والوقوع السهل في براثن الأشرار. استوعب هذا الموظف كينونة المرأة الضعيفة، وبادر لضم شقيقاته والحديث معهن دائماً، في محاولة لسد احتياجهن للأمان والاطمئنان، لكن هل كل الرجال مثله؟ هل كل الأسر تدرك انهم قادرون على تضييع أنثى في طرقات مجهولة مع غرباء تختبئ دواخل البعض منهم وحوش ضارية تنتظر الفرصة للفتك بفريسة جديدة؟ لا، يتعامل الكثير من الرجال (الاخوة، الأزواج، البعض من الاباء) في مجتمعنا بجفاف مع بناتهم، يغيبون عنهم، يتجاهلون حاجتهن للكلمة، للطف، للتدليل، للاستماع، للمداعبة، لأنهم مشغولون بجدية الحياة، وبالأصدقاء، وبالرحلات، يقضون الساعات في الحديث مع غير نسائهم، يتبارون في إرضاء الغريبة، والظهور أمامها بمظهر الفارس الراقي، بينما وفي الحقيقة وعلى النقيض هم مختلفون، باردون، جافون. ماذا لو كان هذا الموظف ذئبا في ثوب رجل، ماذا لو حاول استمالتها واستغلال حاجتها لنفسه! ماذا لو لم يكن خلوقاً يعرف أن لديه (شوفات) يخاف عليهن، ماذا سيكون حال تلك الصغيرة. الغريب أنني أعرف منى أخرى، منى صديقتي مدللة في أسرتها، تحظى باهتمام ساحر من اخوتها الذكور، الذين يعتبرونها وبرغم أنها بلغت الثلاثين من العمر طفلتهم المدللة، يمتدحونها في أناقتها، يساعدونها في مشاكلها، يستمعون لها في حالات ضيقها، يشترون لها الهدايا دائماً في سفراتهم والمناسبات مع زوجاتهم وأبنائهم رغم أنهم يعيشون في بيوت أخرى، يأخذونها في رحلاتهم، يمزحون معها، يفاجئونها بحركات مجنونة ومضحكة، يمتدحون أناقتها وذوقها، وهم يسمعونها أجمل الكلمات، نشأت منى هذه في بيئة صحية تماماً ابتداء من الأب والأم حتى الاخوة، فكانت منى نموذجاً جميلاً للفتاة الناضجة المشبعة بالحب، المكتفية بحب الأهل، الملتزمة بالدين والعادات من أجل نفسها وأسرتها، عالمها أسرتها وكتبها وصديقاتها. اهمال الأنثى وركنها على رف التجاهل وعنجهية الرجولة، يحول أي فتاة الى لقمة سائغة في أفواه اللصوص، لصوص الحب والأمل والفساد. كم من فتاة ضاعت في مجتمعنا لأنها وجدت نفسها في خرابة مهجورة من الشعور، بلا حب، بلا كلمة طيبة، بلا وقت يكون لها، وكم من أنثى أصبحت رفيقة للضالين، سجينة للأجواء الجميلة والفاسدة ولا يحتاج أن أشرح أكثر. عزيزي وأخي الرجل الى متى ستظل حبيساً لثوب الرجولة الكاذبة، الى متى ستظل جاهلاً بقيمة أختك وزوجتك وبنتك، الى متى ستظل مطالباً بالكمال بينما أنت من يزرع الثقوب في ثياب الزهر، هل فكرت يوماً بأختك، هل جربت الاتصال بها، الاستماع الى احساسها، الى قصصها الغبية في نظرك، هل فاجأتها بوردة، بكلمة، أراهن أن الكثير منكم لا يفعل ذلك، وهذا طبيعي جداً في مجتمع ذكوري الملامح. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح.. ربما بات علينا أن نراجع مراكز الشرطة والعيادات النفسية لنعرف حجم المأساة ونسبة ضياع فتياتنا.