14 سبتمبر 2025
تسجيليعرف المهتمون بالتصفح الإلكتروني تلك المواقع التي تتيح للقراء اقتناء مجموعة هائلة من الكتب المعروضة بصيغة الـ pdf، وقد اختصت مواقع كثيرة بتوفير أمهات الكتب في التراث العربي وكلاسيكيات الأدب العربي منه والمترجم، ولكن المثير في الأمر أنّ هذا النوع من المواقع بات يعرض لكتب صادرة حديثاً، فمن الممكن أن تتصفح كتاباً صدر في العام 2013 بكل سهولة بعد أن عزّ تملكه ورقياً لعدم توفّره أو لارتفاع ثمنه. كأن تتصفّح كتاباً أثار ضجة حديثاً كرواية " ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي التي فازت بالبوكر العربية هذا العام. ورغم الشعور بالرضا أن القارئ العربي بات في مقدوره قراءة أهم الكتب الحديثة، إلا أن ثمة جدالاً دائراً يدور همساً أحياناً وبصوت عالٍ مرة أخرى عن الجانب الأخلاقي في هذه المسألة، فهذه الكتب المتاحة لم تحظَ في التأكيد بإذن الناشر، ويعرف المهتمون أن كثيرا من الناشرين أشدّ تعاسة من القارئ، وأنهم يعتاشون على الدريهمات القليلة من بيع عشرات وربما مئات النسخ من كتاب يتقاسمون مرابحة البخسة وكتاب أكثر بؤساً، فالكتاب العربي عموماً يقوم على كاهل البؤساء الثلاثة؛ الكاتب والقارئ والناشر. فمعظم الكتاب لا يعتاشون من الكتابة وهم إما موظفون يكتبون بعد نهاية الدوام، ويقرأون نهاية الدوام، وأما الناشرون فمعظمهم ينشر دون المائة عنوان سنوياً من العناوين ذات الألف نسخة، يحتاج منها إلى ثمن 500 نسخة لتغطية تكاليف النشر، هذا إذا بيعت الكمية كلّها. لكن ما يجري الآن وفي تسارع غير مسبوق وبحماسة منقطعة النظير يتبرع بعض الشباب لتوفير الكتب مجاناً للقراء، فالأمر يقتصر على تصوير نسخة واحدة من كتاب يمكن شراؤه أو استعارته، وبعد ذلك يتم رفعه إلى موقع معروف مثل الفورشيرد ويصبح الكتاب متاحاً لكلّ من يرغب في تحميله. يبدو الأمر مقبولاً ومشجعاً، ولكنّ نظرة إلى أثافي القراءة العربية تجعلنا مشفقين على الناشر الذي ما أن يعلن إفلاسه حتى تنهار حجرتي الدومينو الأخريين. لاشكّ أن تقنية الـpdf قد أتاحت لعدد غير قليل متابعة الصحافة اليومية بتشجيع من مواقع الصحافة ذاتها، لأن الجريدة تعتمد في دعمها على الإعلان، ولاشكّ أن بعض الكتّاب قد تنازل عن حقوق النشر مثلما فعل الكاتب السعودي عبدالله الغذامي الذي سمح لأن تعرض كتبه بهذه التقنية لتوفيرها إلى طلبة الجامعة في فلسطين المحتلة، ولاشكّ أن بعض مؤسسات النشر غير الربحية غير مهتمّة بنسبة المبيعات، وأعني دور النشر التي تدعمها الحكومات أو المنظمات. ولكن يجب أن نفكر بأولئك الناشرين الذين يكسبون لقمة عيشهم من نشر عنوان مهم، فهؤلاء سيتلقون ضربة كبيرة بمجرد نشر العنوان إلكترونياً. وفي رأيي أن الحلّ موجود، فلا يمكن وقف النشر الإلكتروني بداعٍ أخلاقيّ والعالم كلّه يلهث وراء كلّ تقدم، ولكن يجب أن يتلقى أصحاب دور النشر دعماً من الحكومات بمبالغ سنوية تشدّ من أزرها، أو من جهات ربحية كالمعلنين الذين قد يجدون على أغلفة الكتب ما يروّج لمنتجاتهم، كما يمكن لهم أن يتيحوا تقنية شراء الكتب إلكترونياً بسعر معقول كدولار واحد لكلّ نسخة، أو ربع دولار في الدول الفقيرة يدفع عن طريق بطاقة الائتمان المصرفي. فإن بيع عشرة آلاف نسخة في شهر واحد من كتاب جديد بربع دولار في الشهر، خير من بيع خمسمائة نسخة على مدار أربع سنوات مهما كان ثمنه.