30 أكتوبر 2025

تسجيل

ما قد ضمته تلك الرحلة

28 مايو 2013

كل ما نعيشه ويأخذ حيزاً من حياتنا يجد سبيله إلى قلوبنا، فنصنفه بحسب وقعه علينا، ونذكره كلما قلبته الذكريات بأناملها؛ لنتذكر تفاصيله مهما صَغُر حجمها أو كَبُر، وهو ما يسير على الغالبية العظمى منا وإن تفاوت الأمر وتغيرت ملامحه، ولكنه ما يتوقف عن سيره حين يكون الأمر متعلقاً بعظيم كذاك الذي حدثتكم عنه بآخر لقاء جمع بيني وبينكم هنا من خلال هذه المساحة وتحديداً تحت مقالي الأخير، الذي كان بعنوان (هذه الرحلة المُشعة بالإيمان)، والذي لم يُنشر لظروف خاصة بموعده المُحدد، ولكنه نُشر يوم الأحد الماضي أي غرة هذا الأسبوع كاشفاً عن نية خوضي لتلك الرحلة التي عشت تفاصيلها وبكثير من السعادة التي تعجز الكلمات عن وصفها، فكيف لها تلك البسيطة وإن عَظُمت بأن تصف تلك الرحلة العظيمة التي تستمد عظمتها من روعة القِبلة التي توجهت إليها، أي تلك التي يتضاعف معها حجم كل عمل نقوم به في حياتنا، ونسأل الله له ولنا القبول الحسن (اللهم آمين). لقد كانت رحلة توجهي لأداء مناسك العمرة كصفحة بيضاء في حياتي قَلَبَها الزمن؛ كي تشهد بداية جديدة انطلقنا منها كما ينطلق أي مسلم يرغب بالتجدد، والابتعاد عن (نمط حياته) سريع الإيقاع، الذي ينفصل به أحياناً عن الجانب الآخر من الحياة ويفصله عنه، وهو ذاك الذي يحمل له من السكينة ما يكفي؛ كي يعيش لحظاته دون أن ترجف خوفاً من مستقبل يغلب عليه الجهل، وتحيط به هالة من الغموض، أي كل ما يجعله يعيش وسط ترقب دائم يُبعده عن مزاولة شؤون حياته بشكل يُسعده ويُرضيه. إن ذاك الجانب الذي نبحث عنه ونحتاج إلى التودد إليه بين الحين والآخر يُقلص كل تلك المسافات التي تنقبض معها قلوبنا؛ لأسباب وإن اختلفت معنا، إلا أنها تتفق على حقيقة واحدة وهي أن راحة البال تبدأ من هناك، من تلك البقعة التي يغلفها الإيمان وتحيط بها الثقة التامة بالله سبحانه وتعالى، وهو كل ما اتفق على غرسه حبيبنا ورسولنا الكريم سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وشعرت به حين توجهت إلى هناك، ورأيت ما قد غرسه ووجد منبته في قلب كل من نطق بالشهادتين؛ معلناً إيمانه الخالص والصادق، فانضم إلى المسلمين متجاهلاً مقامه ورتبته ومكانته في مجتمعه، ملتفتاً بكامل تركيزه نحو هدف واحد وهو (القبول)، الذي تلون وتنوع ولكنه لم يخرج عن جدار القبول نفسه، فهو القبول الذي يرغب به ويوده من الله عن كل صغيرة وكبيرة يُقدم عليها في سبيله، ويُقدمه لوجهه تعالى، والقبول الذي يرغب به من أجل ذاته، فكل ما يقوم به لا يقوم به من باب الواجب الذي يُجبر عليه، ولكنه يقوم به من أجل الله أولاً؛ ومن أجل تطهير قلبه من تلك الشوائب التي تنقض مصداقيته، وتجعل كل ما يقوم به لا يخرج عن حدود المجاملة، التي لا ولن يُؤجر عليها وإن كانت عظيمة في الظاهر وذلك؛ لأن كل ما يهم هو الجوهر الداخلي، الذي يُخفي حقيقة ما نحمله في قلوبنا لأي عمل نقوم به. إن التواجد على تلك الأرض الطيبة التي تَشَرَفَت بوجود رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم على ظهرها، قد طغى على كل (ألمٍ) يمكن بأن يُلم بأي قلب يحسب بأن الحزن يكلله من كل جانب ويكبله؛ ليُبعده عن تحقيق أحلامه؛ لأن قدوتنا في هذه الحياة وهو الحبيب المصطفى قد تحمل الكثير من أجل تبليغ رسالته، التي عرضته لكل ما هو أكثر من أجلها ومن أجل إعلاء راية الله قبل كل شيء، فلم تكن العقبات الكبيرة؛ لتوقفه وإن تمكنت من الوقوف أمامه وذلك لإيمانه بالله ولإيمانه بعظم تلك الرسالة، التي تمكن من بثها وغرسها فانتقلت مع مرور الزمن إلى المسلمين، الذين حافظوا عليها بجهود عظيمة سخروها ووظفوها؛ لخدمة هذا الدين وبأرواحهم، وهو ما نراه كل يوم ونسمع به كل ساعة، والدليل هو امتداد (قصة الحب) تلك التي بدأت منذ زمن بعيد ومازالت فصولها مستمرة حتى هذه اللحظات، نشاهدها مع كل فرض نقوم به كمسلمين نختلف على كثير من النقاط، ولكننا نتفق على أننا ننتمي إلى دين حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. وماذا بعد؟ إن كل ما تستمع إليه، وتعتمد عليه؛ كي ترسم به لك صورة ما لم تره من قبل، يختلف تماماً عن ذاك الذي تراه وتدركه بنفسك وذلك؛ لأنك ستدرك أن الكلمات التي رسمت بها ما تحلم برؤيته لن تفي حلمك حقه، فأن تستمع إلى قصة حبيبنا المصطفى وجهاده في سبيل الله؛ من أجل إعلاء راية الله، يختلف تماماً عن رؤيتك لتلك الأرض التي احتضنته وشهدت على كل ما قد قام به وقدمه للبشرية (بأبي أنت وأمي يا رسول الله)؛ لذا وإن نخرت كلماتي أعماقك إلا أنها لن تتمكن من وصف حقيقة ما قد شاهدته بنفسي هناك؛ لأنه أعظم بكثير من أن تتمكن منه، ولأن محور حديثي يدور حول رحلة توجهت بها إلى أرض ضمت أعظم الخلق وسيد البشرية وقصة كفاحه وجهاده، التي يتوجب علينا بأن نستند إليها، ونستمد منها قوتنا؛ كي نحقق كل ما نريده من خير نسأل الله أن يكتبه لنا في حياتنا (اللهم آمين).