14 سبتمبر 2025
تسجيلبرغم حملة قمع واعتقال الطلبة المناضلين المتظاهرين والمحتجين في جامعات أمريكية لهدف نبيل-وهو وقف حرب إبادة إسرائيل والصهيونية الفوري وضد جرائم الاحتلال وعدوان الجيش الإسرائيلي ودعم إدارة بايدن بلا سقف للحرب على غزة، وسحب الجامعات استثماراتهم من الشركات الإسرائيلية وخاصة الشركات الداعمة لجيش الاحتلال. إلا أن المظاهرات والاحتجاجات تمددت لتتجاوز خمسين جامعة في عدة ولايات في طول وعرض الولايات المتحدة وانضم أعضاء هيئة التدريس إلى طلبتهم في مواجهة رجال الأمن والشرطة في مشاهد تذكر باحتجاجات طلبة الجامعات في ستينيات القرن الماضي رفضاً لاستمرار الحرب في فيتنام. وفاقمت إدارة جامعة كولومبيا في نيويورك وجامعات تكساس وجنوب كاليفورنيا الأوضاع وسكبت الزيت على النار باستدعاء رئيسة جامعة كولومبيا نعمات شفيق من أصول مصرية-ورؤساء جامعات أخرى الشرطة واعتقال حوالي 500 طالب وبعض الأساتذة ما فجر الصاعق وكان بمثابة نقطة تحول في حركة الاحتجاجات الغاضبة. وأشعل النار بالهشيم. النظام الأمريكي والدولة العميقة في حالة استنفار وصدمة وتحاول إدارة بايدن والكونغرس والشخصيات المحافظة تشويه وشيطنة حركة الاحتجاجات بأنها فوضوية تهدد سلامة الطلبة اليهود ومعادية للسامية التهمة المعلبة الممجوجة لكل من يختلف مع جرائم إسرائيل. ما فجر شرارة تضامن في الجامعات الأمريكية، ووصلت احتجاجات التضامن إلى جامعات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وحتى أستراليا! خاصة أن المادة الأولى من تعديل الدستور الأمريكي تضمن حرية التعبير والتجمعات السلمية. وكعادته باستغلال أي موقف، انتقد نتنياهو تطرف الطلبة وترهيبهم للطلبة اليهود الذين لا يشعرون بالأمان ومدعياً ومشبهاً بشطحات سخيفة للتكسب السياسي أن ما يجري في الجامعات الأمريكية يذكر بحقبة الثلاثينات في ألمانيا-وصعود النازية. الصادم أن من دمر عشرات الجامعات في حرب إبادته على غزة يجرؤ على انتقاد حق الطلبة في التعبير عن موقفهم برفضهم حرب الإبادة التي تُشن بأموالهم دافعي الضرائب وبتواطئي من إدارة بايدن وتمويل بالسلاح والغطاء السياسي وبالسلاح الأمريكي! لكن أسباب وأبعاد انتفاضة واحتجاجات الجامعات الأميركية أبعد وأعمق من ذلك. ومن وقف الحرب على غزة والتنديد بجرائم الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية. التي يجب التفريق بينها وبين اليهودية كديانة. ولها انعكاسات عميقة وجذرية على المستويات السياسية والاجتماعية والعلاقات الخارجية وخاصة الداعمة لإسرائيل بلا قيود-ما يغير قواعد اللعبة، حيث لم تعد تملك إسرائيل شيكا مفتوحا وعلى بياض لتمارس وحشيتها كما كان هو الحال لثلاثة أرباع قرن! واضح أن ذلك التحول العميق وتغيير قواعد اللعبة أصاب بايدن الذي يفاخر بصهيونيته ومعه قيادات إدارته وخاصة وزير الخارجية بلنكين الذي فاخر بيهوديته في زيارته الأولى لتل ابيب، ونتنياهو والصهاينة بصدمه وهستيريا لنجاح وتمدد مظاهرات واحتجاجات واعتصامات الطلبة في الجامعات الأمريكية-والظاهرة الملفتة أنها بدأت وانطلقت من الجامعات الأمريكية الخاصة والعريقة-فيما يعرف بجامعات النخبة في الساحل الشرقي التي تعرف ب (Ivy League) وفي الساحل الغربي في كاليفورنيا. وعلى رأسها جامعات هارفارد وييل وبنسلفانيا وكولومبيا وبرون ومعهم جامعة جورج واشنطن وكذلك -جامعة تكساس في عاصمة الولاية أوستن-(وأفتخر أنني درست فيها وحصلت على شهادة الدكتوراه منها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي) أول جامعة تخرج فيها مظاهرات واحتجاجات طلبة في ولاية حاكمها من الحزب الجمهوري!! تخشى الدولة العميقة أن الكثير من قادة أمريكا وأصحاب القرار وصناع الرأي ورؤساء أمريكا وأعضاء مجلس شيوخ ونواب وقضاة ومدراء وكالات فيدرالية وسفراء تخرجوا من جامعات النخبة تلك. لا يقل عن 16 رئيسا أمريكيا تخرجوا من تلك الجامعات! والطلبة الذين يتظاهرون اليوم هم أبناء كبار المسؤولين وقادة المستقبل. أذكّر الرئيس بوش الأب والابن والرئيس أوباما وابنته والرئيس ترامب تخرجوا من جامعات النخبة تلك. لهذا ما نشهده غير مسبوق وبانعكاسات ودلالات مستقبلية. خاصة أنها المرة الأولى التي تعرى وتفضح ويتطاولون ويكسرون المحرمات بفضح ومناهضة جرائم إسرائيل دون الاكتراث بوصمهم معادين للسامية كما كان الحال مع آبائهم وأجدادهم! فإذا بالسحر ينقلب على الساحر وينتفض جيل المستقبل رافضاً وفاضحاً السردية الكاذبة. التي حطمها صمود المقاومة الباسلة في غزة وفضحتها مشاهد القتل والتدمير والإبادة الهمجية التي لا يمكن لأي شخص لديه ذرة من ضمير أن يرضخ ويسكت عن إدانتها. ** كما لم يعد يصدق أمام هول وحجم كارثة الإبادة واستشهاد أكثر من 40 ألفا بين قتيل ومفقود تحت الأنقاض وأكثر من 80 ألف مصاب و2 مليون ونازح وتدمير ربع مليون وحدة سكنية. ما يجري بعد أكثر من 205 أيام من حرب الإبادة هو ليس دفاع عن النفس كما يروجون رياء في أمريكا وأوروبا وضد ما تشاهده شعوبهم! وذلك بسلاح ودعم وغطاء أمريكي من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين! ما يجعل الطلبة وأهاليهم شركاء في الجريمة وفي حرب الإبادة. كما كُسر نظام التجسس على مواقف وتصريحات ومحاضرات وكتابات أساتذة الجامعات لاستهدافهم من جماعات موالية للوبي الصهيوني لترهيبهم في مكارثية لعدم تجرؤهم على انتقاد إسرائيل وسلوكها الإجرامي! ان قمع الدولة العميقة وتلويح رئيس مجلس النواب الأمريكي جونسون باستدعاء الحرس الوطني وتهديد إدارات جامعات بفصل الطلاب وتطبيق إجراءات تأديبية واعتقال طلبة وأساتذة جامعات بطريقة مهينة، هو تصرف مشين، يضرب حرية التعبير والتجمعات السلمية ويخالف الدستور الأمريكي. ويعري ما تتشدق به أمريكا عن حرية التعبير! نشهد مع تحول حرب غزة لشأن أمريكي داخلي- انتصار معركة الوعي والتمرد! لم تعد إسرائيل والصهاينة محصنين من الانتقاد والفضح، يتشكل رأي عام جديد يقوده شباب الجامعات، قادة المستقبل، ينسف حصانة وثوابت سردية الصهاينة-كم فضحت وعرّت حرب غزة من مسلمات؟!.