10 سبتمبر 2025

تسجيل

أصالة القيادة وهوية الأمة الإسلامية.. كيف نبني المستقبل في ضوء القرآن؟

28 أبريل 2024

من أهم مؤهلات القائد الأصيل الاعتزاز بهوية أمته، والفخر بها، والانطلاق من الوعي بها لصياغة رؤيته للمستقبل، وكلما ازداد وعيه بالهوية زاد تأثيره على الجماهير، وتمكن من كسب العقول والقلوب. وكلما تزايدت التحديات، اشتدت حاجة الأمة لقيادات تبرهن على أصالتها وشجاعتها وقوتها بالتحديد الواضح للهوية، وتوعية الأمة برسالتها ووظيفتها الحضارية، ودورها التاريخي. والقائد المسلم يحتاج إلى قراءة القرآن بعقله وقلبه في هذه المرحلة التاريخية، ليكتشف ذاته، ويقدم نفسه للعالم انطلاقا من هوية أمته التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتحمل رسالته الخاتمة إلى البشر. لذلك حدد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة هويتها في القرآن الكريم، وبذلك يمكن أن تفخر هذه الأمة بأصالة مصدر هذه الهوية، وجدارتها ببناء الحضارة، وإقامة العدل، ونقل المعرفة للبشر. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾﴿١٤٣﴾ ومفهوم «الوسط « مفهوم إسلامي، يتميز بالثراء، ويشمل الكثير من الدلالات، منها الشرف والرفعة والعلو والحسن والفضل والخيرية، ويقول ابن كثير: لما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب. ويشمل المفهوم أيضا العدل؛ فالأمة الإسلامية هي أعدل الأمم، ولذلك اختصها الله بالشهادة على كل الأمم في الدنيا والآخرة، والعدل من أهم الأسس التي تقوم عليها هوية الأمة، وهو هدف تعمل لتحقيقه، وعليه تقوم حضارتها. القرآن يوضح لهذه الأمة وظيفتها في هذا الحياة، ومميزات شخصيتها، ومؤهلاتها للقيام بدورها في حياة الناس الذين ستشهد عليهم، لذلك يجب أن تبلغهم رسالة الله، وتدعوهم إلى الإسلام، وتنقل لهم المعرفة التي أنعم الله بها على هذه الأمة، وهي أجمل وأعظم ما تملك، وهي مصدر قوتها وثروتها. والأمة الإسلامية عندما تقوم بدورها في نقل المعرفة للناس، فإنها تقيم العدل، فمن حق الإنسان أن يعرف ويتعلم ثم يختار بإرادته الحرة.. وبذلك كانت الأمة تتحمل المسؤولية بكل ما فيها من أعباء وواجبات، ويجب أن تقدم التضحيات، وتقوم بدور حضاري في تحرير البشرية من العبودية لغير الله؛ حتى لا يقهر الطواغيت الناس، ويمنعوهم من اتباع الحق. هذه الأمة الوسط المكلفة بنقل الرسالة للبشر وإقامة العدل يجب أن تقدم التضحيات، فليس من السهل القيام بهذه الوظيفة.. إنها تشهد أنها بلغت الناس الرسالة ونقلت لهم المعرفة ودافعت عن حريتهم. لذلك فإن الأمة تبني مستقبلها على أساس الوعي بالوظيفة والمسؤولية، وتعد قياداتها الذين يستطيعون أن يقدموا التضحيات لتحقيقها. من أهم مؤهلات القائد أن يكون مستعدا للقيام بهذا الدور، وما يفرضه من أسلوب حياة، فيرفض الغرق في الشهوات، ويكون مثلا أعلى وقدوة للناس، يتطلع دائما إلى رضا الله، ويعلم أن ما عند الله خير من الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، لكنه يحصل على حقه من المتع الحلال التي أباحها الله له، وأنعم بها عليه دون إسراف وتبذير، وهو يعمل دائما لتزكية نفسه لتأهيلها للقيام بوظيفتها الحضارية. هو يعطي لنفسه ما تستحقه من كرامة، ويعمل على حفظ حياته وترقيتها، ويطلب الغنى، مع الالتزام في تحصيله بأحكام شريعة الله، وينفق أمواله فيما ينفع الناس والمجتمع، ويعبد الله الذي أنعم عليه بالغنى والثراء، ويرفض المادية والفردية والجشع والترف. والقائد الذي تريده الأمة يستخدم عقله بكفاءة ؛ فيخطط ويبدع ويبتكر، لكنه يعبد الله الذي أنعم عليه بالعقل، ويلتزم بمبادئ الإسلام وقيمه، ويقوم بصياغة رؤيته في ضوء القرآن، ويلتزم بالأخلاق في تأثيره على الجماهير، وفي صياغة رسائله وخطابه. ولأنه ينتمي للأمة الوسط، فإنه يلتزم بالعدل، وهو يدرك أهميته في بناء المستقبل، فالظلم مؤذن بخراب العمران، والسقوط مصير كل ظالم، والحق لابد أن ينتصر. ولكي تبني الأمة الإسلامية مستقبلها يجب أن تقوم بتأهيل قيادات أصيلة تدرك معنى الانتماء إلى أمة حدد الله سبحانه هويتها في القرآن الكريم، ووصفها بأنها خير أمة، ولذلك يجب أن يقوم بدوره في تحقيق هدف الأمة الرئيس، وهو بناء الحضارة على أساس العدل، وتحرير البشرية من العبودية لغير الله.