11 سبتمبر 2025
تسجيللعلنا قرأنا أو سمعنا عما يسمى بحمى الثورات، تلك العدوى التي تنتقل بين الشعوب، فالثورات هي ظواهر معدية كالوباء والموضة، فإذا ما حقق الشعب مطالبه وتحرر من قيود الظلم والإجحاف التي تطوقه، انتقلت هذه الثورة والتمرد على النظام الحاكم لشعب آخر، وهكذا.. وتلك حقيقة وظاهرة قديمة يذكرها التاريخ منذ القدم، ويروي فيها قصصاً عديدة منها حينما "أصابت بالعدوى" الثورة الامريكية (1776) الثوار الفرنسيين في 1789، وجاءت الواحدة تلو الاخرى ثورات "ربيع الشعوب" في اوروبا في منتصف القرن التاسع عشر وفي شرقي اوروبا في سنوات 1989 — 1990. وبالرغم من أن الضائقة الشديدة ليست هي الدافع الوحيد لانطلاق ذلك النوع من الثورات، فإنها عامل محرك مهم جداً لإشعال فتيل تلك الثورات إلى جانب عوامل كثيرة منها على سبيل المثال وليس الحصر: وجود شق في سور النظام القمعي يمكن لرياح التغيير أن تتسلل منه، أو التعرض لصدمة وطنية تزعزع الثقة بالنظام، أو التعرض لأحداث وظروف عصيبة ولفترات طويلة من شأنها أن تدفع بالمحكومين للتمرد على النظام الحاكم. ومع أن النتيجة لهذه الثورات ليست دائماً هي الحصول على الديمقراطية، وهذا ما رواه التاريخ عن العديد من الثورات منها الثورتان الروسية والصينية إلا أن الشعب حين يصل لمرحلة الغليان وتصبح عودته لخط البداية أمراً مستحيلاً قد لا ينظر للنتائج بقدر رغبته الجامحة في الانتفاضة وتكسير قيود الضعف التي طالما كبلته وجعلت منه مسلوب الإرادة وعاجزا عن تحقيق ما يريد. إننا حين نتلفت الآن وننظر حولنا نرى ما يحدث في الشوارع العربية في ليبيا وسوريا واليمن وهنا وهناك نرى من المشاهد ما يدمي القلوب ويبكي العيون، شباب في سن الزهور تروى الطرقات من دمائهم الزكية، وأطفال صغار يلعب أقرانهم في البلاد الآمنة بالألعاب ويلعبون هم بالرصاص والحجارة، ونساء كن يوماً من الأيام آمنات في البيوت مع الزوج والأبناء، فأصبحن بين عشية وضحاها أرامل وثكالى يذرفن دموع الألم والعذاب ويتجرعن الآلام في كل يوم وكل ساعة.. كل هذا الواقع المرير الذي يشكل طاحونة وقودها دماء الشباب الأبرياء قد بات كابوساً تنام أمتنا العربية والإسلامية وتصحو عليه، ولا تملك أن توقف من نزيفه شيئاً، ولا تملك إلا أن تقف مكتوفة الأيدي.. تشاهد التلفاز حيناً وتقرأ الصحف حينا، وإذا ما زادت حرارة الضمير الحي فيها ذرفت بضع دمعات على تلك المشاهد والمجازر التي ترتكب بحق العزل الذين لم يرتكبوا جرماً إلا أنهم أرادوا لأنفسهم ولذويهم الحرية والحياة الكريمة.. إذا نظر كل منا لنفسه كجزء من الكيان والجسد العربي والمسلم شعر حينها أن عليه أن يصلح من نفسه بداية ثم يسعى لإصلاح من حوله، لكي تصلح أمورنا ولا نحرم نعمة الأمن والأمان التي تعد من أكبر نعم الله تعالى علينا وقد لا يشعر بقيمتها إلا من فقدها.. فإذا غيرنا ما بأنفسنا حتماً سيغير الله تعالى ما بنا.. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..