10 سبتمبر 2025

تسجيل

الرقص مع الحياة

28 مارس 2023

من الكياسة أن يمتلك المرء ذاك الرشد السديد، والفطنة الجميلة والأدب العالي الرفيع في التعاطي مع المستويات المختلفة للحياة والناس، فيمتلك من السلاسة والمرونة ما يُمكنّه من خوض عباب الحياة برشاقةٍ بالغة، واحترافٍ بارع. وأكن بالغ التقدير لمن يتصرّف مع الحياة وفق مقامات تناسب كل ظرف، وحسب أحوال تليق بكل إنسان يتعامل معه.. من يستطيع أن يُعطي للناس قدرها، ويخاطبهم على قدر عقولهم ومستوى أفهامهم، ويسلك معهم وفق منازلهم ومكاناتهم.. فلا الصغير كالكبير، ولا الصاحب كالغريب، ولا الرئيس كالمرؤوس، ولا القريب كالبعيد.. ذاك الذي يستطيع أن يحفظ السر، ويحترم خصوصيته، فليس كل خبر عنه مُشاع، ولا كل سر عنده مُذاع، ولا كل ما يسعى له لإطلاع الجميع مُتاح. من يضبط شعوره، ويتعامل بكياسة مع المواقف، فبعضها يتطلب التغافل، وجزء منها يستدعي الحزم والشدّة.. من تتلوّن مشاعره وأفكاره وتعاملاته حسب تدرجات الحياة.. مرونةً لا مكراً، وسلاسةً لا عُسراً .. فلا يكون صلباً فيكسر ولا ليناً فيُعصر. وليس معنى ذلك أن يتظاهر المرء بما ليس فيه، أو يرتدي أقنعة لا تُشبهه، أو يتوارى خلف مسميات كاذبة، أو ينافق الناس بما ليس عنده، وإنما المقصد أن يتعلّم أن يتعاطى مع طبيعة الحياة، ويتدرّب على التماهي معها والتمتع بكل ألوانها وتدرجاتها، دون أن يفقد هوّيته، أو يزوّر فكره وشعوره.. بل يتفهم مقامات الحياة حتى يصوغ منها لحناً شجيّاً يُطرب، ويتدرّب على التعامل مع منازلها علواً وانخفاضاً حتى يُنشدها أغنية آسرة يتردّد صداها لا يغيب، ورقصة مُبهرة لا تُنسى. * لحظة إدراك : الرقص مع الحياة يتطلّب معرفةً بإيقاع مقامات لحنها، ومزامنة الحركة عليها صعوداً ونزولاً، حركةً وثباتاً ، تقدماً وتراجعاً بثبات خطوة، ودراية سبيل، بمرونة عالية وسلاسة.. وهذا في المتناول مع الدُربة والمِران، فقدرتك على التناغم مع الحياة ومرونتك في التعاطي معها قوة لا ضعف، ومتعة لا فرض، واتساع لا ضيق.