11 سبتمبر 2025
تسجيلعلى الرغم من تراكم الهموم الخاصة والعامة على ذات الرف المدعو (حياتي)، وعلى الرغم من ضياع ملامح هذه الأخيرة بعد أن اختلط الماضي بالحاضر؛ بسبب ذاك الزحام الذي تسبب فيه اضطراب الظروف، إلا أن هناك ما يصر على إثبات وجوده ولفت الأنظار إليه رغم أنف كل ما قد سبق ذكره، فهو ما لا يُنسى وإن أُجبر الزمان على ذلك، وأشعر بأني لن أحرمه من تحقيق غايته، كما أني لن أحرمكم من التعرف عليه؛ لذا إليكم التالي. في لحظة حسبتها عابرة ولن تتمسك بذيل الحاضر؛ كي تلحق به وبي، لاحت في سماء حياتي بعض الذكريات الجميلة التي لم تنتظر طويلاً، إذ سرعان ما لوحت وبكل حب؛ كي تُعلن عن رحيلها، الذي لم ألتفت إليه، خاصة حين بدت وكأنها غريبة عليّ، ولكن وحين وقفت أمامي والشوق يُكللها أدركت أني أعرفها، فهي تلك التي يمتد نسبها لذاك الذي عشت معه أجمل فصول حياتي التي كنت قد كرستها؛ لتغيير ما حولي للأفضل، وما أتحدث عنه هو المسرح، الذي شغل كل عشاقه به منذ أعوام مضت، حين كنا نجتمع من أجله؛ كي نُفرغ ما في الجيوب من كل ما قد حصلنا عليه في حياتنا ونضعه على الخشبة؛ تعبيراً عن حبنا له، وحرصاً منا على تحقيق غايته التي تدور حول الإصلاح والتغيير."أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً" للمسرح دوره العظيم في تنمية المجتمع، على اعتبار أنه من القواعد الأساسية التي تستند إليها مهمة تنمية الحياة وتطويرها، وكي نخرج بمجتمع صالح ينعم بحياة طيبة، فنحن بحاجة ماسة إلى توفير الغذاء المناسب له، فيكون منه ما يُغذي الجسد، ومنه أيضاً ما يُغذي الفكر، ولكن ما يفرضه علينا الواقع (الواقع) يرفض التركيز على الشق الثاني من الشرط، فما يهم هو الجسد، أما الفكر وما يحتاج إليه من غذاء يوفره المسرح، فهو وعلى ما يبدو من آخر الاهتمامات، التي وإن حصلت على فرصة العيش، إلا أنها لن تكون كافية بالنسبة لها؛ كي تحقق ما تريده؛ ليصبح بذلك المسرح على هامش الحياة، يطل عليه من يملك من الوقت ما يملكه؛ كي يفعل فيفعل. منذ أعوام مضت كنا نحتفل بالمسرح في يومه -27 مارس من كل عام، أي يوم (أمس)- وتحديداً حين كتبت هذا المقال واحتفلت بهذه المناسبة بصمت مزق كبد الصمت من شدة الوحشة، فما كان يحدث في الماضي قد كان رائعاً وبكل المقاييس؛ لأنه قد صور لنا الحياة من زوايا مختلفة اعتمدت على عيون عُشاق المسرح، ممن اجتهدوا على تقديم أفضل ما لديهم على خشبته في مهرجان مسرحي، لم تكن المشاركة فيه من أجل المنافسة على جائزة (ما)، ولكن من أجل التعبير عما يحدث في الخارج بلمسات تلامس الداخل، فتخرج من الأعماق لتصل إلى الأعماق، فيكون التأثر، ومن ثم ما يلحق به من أثر لا شك أنه سيُحدث الفرق الذي نبحث عنه. إن ما يتمتع به المسرح من قدرة على محاكاة التفاصيل الخاصة بحياة الفرد على خشبة تُلخص الحياة للحياة وتسعى بعد ذلك إلى تقديمها للمتلقي؛ كي يدرك ما كان منه وله، يفرض علينا التفكير ملياً بشأن تأكيد دوره؛ كي ينتعش طوال العام، وليس في فترات معينة يعود من بعدها إلى عالم الغياب، حيث لا شيء يُذكرنا به سوى حفنة من الذكريات الصامتة، التي تخجل من التواجد بيننا كل الوقت؛ لذا تفضل الابتعاد أكثر، مع أننا نحتاج إليها وبشدة، فهي تخص المسرح الذي يُطور ملكة كل من ينتمي إليه، ويُنمي وعي المتلقي؛ ليتجاوز حدوده فلا يكتفي بدوره كمتفرج صامت بل ثائر يُقدم على ما يجدر به فعله مما كان بحاجة لمُحفز يحُثه عليه، ولكم ساهم المسرح بتحقيق تلك الغاية من قبل وإن لم يفصح البعض بتلك الحقيقة؛ لأسباب تخصه ولن ننشغل بها، فما يهمنا هو التأكيد على دور المسرح في معالجة قضايا المجتمع، التي تُفرقعها الأحداث، فننشغل بتلك الفرقعة دون أن نجد الوقت الكافي؛ للتركيز على التفاصيل التي تسقط من حساباتنا؛ ليلتقطها المسرح ويُسلط الضوء عليها؛ كي نراها من جديد ونُدرك معها نقاط الضعف فنهتم بها أكثر، ونتمكن من سد أبواب النقص، ومعالجة ما يستحق المعالجة، فننهض من بعد ذلك من جديد. وأخيراً يطول ويطول الحديث عن المسرح، فمن يعشقه يعشق التحدث عنه كل الوقت، وهو ما يرتطم بطبيعة المساحة المتاحة لي من خلال هذا العمود؛ لذا وكي أتجنب تلك المأساة يجدر بي تلخيص ما أريده، وهو التالي: كل ما يحتاج إليه المسرح؛ ليُعطينا المزيد هو بذل المزيد من الجهد من أجله، وتغذيته بتجارب ناضجة تمنحه قيمة عظيمة تنهض بالمجتمع أكثر وأكثر، وحتى يكون ذلك، لك مني أيها المسرح أصدق الأمنيات بحياة سعيدة وتجارب جديدة يدرك معها الجميع حقيقة ما أنت عليه.