13 سبتمبر 2025
تسجيلسُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال:" لا أحب العقوق ". فما مدلول هذا الحديث وهل يدل على حكم فقهي للعقيقة، لقد اختلف أهل العلم في حكم العقيقة للمولود إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: قول الحسن البصرى والليث بن سعد وداود وابن حزم أنها واجبة والقول الثاني: قول جماهير أهل الحديث والفقه أنها سنة مؤكدة. والقول الثالث: قول أبي حنيفة أنها بدعة إذ هى جاهلية محاها الإسلام. واستدل أصحاب الرأي الأخير على ذلك أن النبى لما سُئِلَ عن العقيقة، فقال:" لا أحب العقوق ". واستدلوا كذلك بحديث أبى رافع رضى الله عنه أن الحسن بن علىّ أرادت أمه فاطمة رضى الله عنها أن تعق عنه بكبشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تعقى، ولكن احلقى رأسه، فتصدقى بوزنه من الورق، ثم ولد الحسين، فصنعت مثل ذلك " وادعى محمد بن الحسن نسخ العقيقة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " نسخ الأضحى كل ذبح". ولعل الأخ الذي أفتى أخته بعدولها عن العقيقة تبنى هذا الرأي الأخير دون النظر في أقوال أهل العلم، مخالفا بذلك منهج الإمام أبا حنيفة نفسه، الذي ذكر أهل العلم أنه قال:"إذا رأيتم قولي يعارض قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط وأنا منه براء" ودعونا نذكر أقوال أهل العلم في ردهم على ما استدل به المانعون. أما الحديث الأول: فهو في موطأ مالك، ومسند أحمد، ومصنف ابن أبي شيبة، والسنن الكبرى للبيهقي، والمستدرك للحاكم وغيرهم. ولكن للحديث تكملة تبين المراد فالرواية تقول: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الْاسْمَ وَقَالَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عن وَلَدِهِ فَلْيَفْعَل". فالنبي كره لفظ (العقوق) وفقط، ودلل على التأكيد على العقيقة في نفس الحديث بقوله:" مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ َ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ" وأما قولهم أنها من أفعال أهل الكتاب فمردود، فلقد صح عن أبي هريرة أن النبي قال:"إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة ". فأمرنا بمخالفتهم وشرع الذبح عن الجارية، على غرار قوله صلى الله عليه وسلم:"لأن أحياني الله إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر" ولقد ذكر علماء الأصول: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه. وأما الحديث عن أن الحسن لم يُعقَ عنه فمردود كذلك، فلقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عنهما - الحسن والحسين - وثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها ما رواه ابن عباس أن رسول الله عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. وأما استدلالهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " نسخ الأضحى كل ذبح" فواه كذلك ولا حجة فيه، فلقد نفى الإمام ابن عبد البر ورود هذا الحديث أصلا، وتعقبه ابن حجر في الفتح قائلا " أخرجه الدارقطنى من حديث علىّ، وفى سنده ضعف، وأما نفى ابن عبد البر وروده أصلا فمتعقب وعلى تقدير وروده فهو يثبت أنها كانت واجبة، ثم نسخ وجوبها، فبقى الاستحباب ". ويبقى القول الراجح قول جماهير أهل الحديث والفقه: أنها سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلقد ورد في الحث عليها عدة أحاديث منها: ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة "رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث صحيح وفي لفظ أمرنا رسول الله أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين" وعن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى ". وقد ذكر البيهقي عن سلمان بن شرحبيل عن يحيى بن حمزة قال قلت لعطاء الخرساني: ما مرتهن بعقيقته؟ قال:يحرم شفاعة ولده. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية. وقال ابن المنذر: وذلك أمر معمول به بالحجاز قديما وحديثا يستعمله العلماء. وقال مالك: هذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا. وإذا ثبتت السنة وجب القول بها ولم يضرها من عدل عنها.