11 سبتمبر 2025
تسجيلنعيش اليوم في عصر مجنون سريع، ليس منفتحاً على الآخر وحسب بل داعياً الآخر إلى الدخول فينا وإلى عوالمنا الخاصة. وهذا الأمر ليس بطبيعي ولا بالصحي لنا ولصحتنا النفسية والجسدية. ويظهر هذا الشيء في أبهى صوره عندما نبدأ بقياس مستوى سعادة الناس. عندها نجد أن الأغلب ليس سعيداً بل وإن البعض وصل إلى بداية الاكتئاب! ومن أهم الأسباب التي جعلت الناس غير سعيدين وغير راضين، هي المقارنة بين حياتهم وحياة غيرهم. المقارنة بين ممتلكاتهم وممتلكات غيرهم. المقارنة بين سفراتهم وسفرات غيرهم. المقارنة بين أصدقائهم وعوائلهم وأصدقاء وعوائل غيرهم.. إلخ! مشكلة هذه المقارنات أنها تجعل الانسان يأخذ قيمته كإنسان من الخارج لا من الداخل. عندها يكون الانسان ذا قيمة، فقط لو امتلك تلك السيارة الفارهة التي يشاهد مثيلاتها في الأفلام أو لو كانت لديه تلك الحقيبة النادرة، أو لو سافر كل سنة مرة أو مرتين لتلك الوجهة التي سافرها ذاك المشهور أو الفنان أو لو امتلك تلك الساعة التي يرى اعلاناتها في كل مكان! هكذا وعلى غفلة من الانسان، وبسبب تشبعه من الإعلانات ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، يربط قيمته كإنسان بالماديات التي يراها من حوله! وعندما لا يمتلك هذه الماديات ويصعب وصوله إليها، يصبح انسانا مبتئسا غير راضٍ عن نفسه ولا عن حياته. وهذا أكبر خطأ، أن يستمد الانسان قيمته من الخارج لا من الداخل. أن تُقاس قيمة الانسان بالأموال والمظاهر بدل الدواخل والأفعال. قيمة الانسان الحقيقية هي بمبادئه.. بقيمه.. بأخلاقه.. بتصرفاته.. أفكاره.. بأحلامه.. بقيمة الدروس التي يتعلمها من الدنيا. هذه القيمة التي لا تُقاس ولا تُبدل ولا تُقيّم ولا تتدهور ولا تهلك ولا يدور عليها الزمن. هذه القيمة التي ما إن يمتلكها الانسان حتى يصبح فوق الرضا وفوق السعادة.. لا يهمه إن ركب سيارة قديمة وأعز أصدقائه ركب سيارة أحدث موديل.. لن يهمه إن عمل في عمل يدر عليه أقل من عمل قريب له.. لن يعطي ذلك بالاً لأنه يأخذ قيمته من الداخل. يعرف بأنه يبقى هو نفسه سواء أقاد سيارة فارهة أم سيارته القديمة. يعرف أنه يحب العمل الذي يقوم به وهو راض به. يعرف من هو وأن قيمته أكبر من مائة سيارة وساعة وسفرة وحقيبة وملابس غالية! هو نفسه الذي لا يستطيع لأحد أن يكون مثله. هو أفكاره وقيمه ومبادئه ورحلاته الداخلية ومشواره الخارجي، وهو راضٍ عن نفسه بسبب كل ذلك!