17 سبتمبر 2025
تسجيليقتضي الحديث عن الفنان القطري محمد العتيق التأمل في ملامح شخصيته الفنية وتجلياتها الجمالية، وتحليلها بناء على مستوى التجربة وتأويل مفرداتها الرمزية من جانب، وعلى مستوى استيعاب طبقاتها التعبيرية والفكرية من جانب آخر، ووفقا للمدخلات المتآلفة والمتناغمة التي تعاقبت خيوطها لتنسج رسالة جمالية في بيئته كمنجز إبداعي عمل على تطويره على مدار أربعين عاما في الساحة الفنية القطرية، فصنع أبجديته الخالصة التي شكلت فسيفساء معرض شخابيط عتيق في مركز سوق واقف الفني الداعم والراعي لرسالة الفن والجمال. وتعزيزاً لهذه الرؤية وعلى لسان العتيق ذاته: «إن الفن ليس مجرد شخبطة ولكنه يحمل في جوهره رسالة يجب أن تصل إلى العالم». ولذلك فهو يحولها إلى مسرح يتساءل من خلاله عن ملامحها ودلالاتها من خلال الأشكال العفوية، ويحاول استكشاف معانيها الباطنة فيترجمها إلى تعابير تسير بين الذات والغير. وكنتيجة حتمية نابعة من قناعته الشخصية يستنتج ما مفاده أن القضية ليست ما نرسمه ولكن كيف نرسمه؟ أتقن الفنان حياكة العمل حياكة تشكيلية مابين الشكل والمضمون، وما بين الأصالة والمعاصرة، ومن توهج جذوة الحنين الدائم إلى التراث؛ فلم يكن سوى جَدَّته وملهمته التي كانت مادة يرصد ذكريات الطفولة بكل حركاتها وأزيائها وأدوات زينتها وصُرتها التي تجمع له فيها النقود وتكون غالبا من القماش، والذي يلعب دور الحبكة الفنية والبطولة. إن جذور فكرة اسم (عتيق) التي تعنون جميع معارضه هو أن لديه ارتباطاً داخلياً ووجدانياً عميقاً تجاه والده، ورغبة عظيمة في إظهار العرفان ورد الجميل له. ولذلك تنطلق أعماله من فضاء وجودي مملوء بالرموز التي تتوحد لتصبح فكرة واحدة تمثل ذاكرة الوطن وتعبر عن الرؤية الذاتية للفنان، وتحول تلك التفاصيل إلى أشكال تعبيرية للواقع مع شيء من التسامي. المنجز الفني لدى عتيق بدأ بتعلقه بالفن واللون منذ الطفولة ويتكئ على البيئة والتراث المختزلة في ذاكرته كفنان عاشها أسلوب حياة والى انتصار ذاتية الشكل واشتغاله على مفرداته دون تكلف وافتعال وما اسماه بالمهمل الصغير وعلى ضوء متطلبات العصر وإعادة البناء برؤية عصرية وفق رؤى جمالية ليفتح أفق المتلقي لكسر جمود الاستقبال التقليدي للأشياء من حولنا واستلهام التراث التي توطنت وسكنت وجدانه بمفرداته المحلية وطروحاته التأملية والذائقية إلى مصاف العالمية. أما بنائية العمل عند عتيق فمختزلة ومتماسكة وممتدة بأفق أوسع بالانتقائية والغزارة في الرسم والكولاج والحياكة والأعمال التركيبة أخذ من حركة الجرار والأواني والمظلات مركزا لخطاب بصري جديد تحاكي سؤال المشاهد وتحاوره بقيم جمالية، فالأواني مثلا تملأ أرجاء سطح خطابه بالشكل الهندسي ثلاثية الأبعاد مكونة كتلا تبحث عمن يرصد كينونتها بحيث تدخل المشاهد في دروب الماضي للاستكشاف كما أنها تغويه للتقرب منها كي يفهم حقيقتها ويفك شفرتها فيجد متعة التأمل والحوار مع مشهد يتحرك وهو ساكن. أما اللون فهو إشراقة وفي جو عتيق المعتق بغموضها ولغزها مانحا الدور الملهم للون الأسود من القماش المرسوم وسما ووشما بعباءة المرأة ومع فعل حركة امتداد للون الثوب الأبيض للرجل، ولإحداث هالة والهيبة كذاكرة وثائقية خالقا تضادات لونية فتحفز آليات الشد البصري من قبل المتلقي مع استخدام ألوان نبض الحياة الصريحة للون الأزرق والأصفر والترابية بحوار جمع بين البحر والصحراء لإحداث تباينات غنائية سحرية تسحب عين المتلقي إلى عمق السطح وتعيده الألوان الحمراء إلى مقدمة السطح مرة أخرى، مستثمرا قوة الحرف وفاعليته على إحداث اهتزازات إيقاعية جمالية لدى المتلقي في قراءة للبنى النصية في خطابه البصري. لذلك فإن عملية الإمساك بمفاتيحها تقودنا إلى رؤية شمولية وعوالم كونية فترجمت وحرفت وتأولت أشكالها وألوانها وتنوعت ملامسها ووسائطها عبر مساحات وخطوط وبعيدة كل البعد عن الطابع التقليدي والنمطية المتكررة، فقد استخدم العسو بشجرة النخلة وتحويلها إلى قطع من جمال، سيما عبر تثبت مفهومي الحضور والغياب من انه جعل من المظلات حاضرة في استنطاقها وغائبة عن الصمت الذي توشحها وجودها قبل الولادة الإبداعية كل ذلك محاولة منه لسطوة الجمال وإضاءة العتمة بعالم من البهجة والدهشة. المتأمل في شخابيط عتيق يدرك أنها نافذة تطل من الداخل باطنها وحقيقتها الرؤى وظاهرها الأشياء مانحا شخصياته سكينة من نور شخصيته المشرقة من أمل وتفاؤل بالمستقبل، وان شخابيطه ما هي إلا علامات وخطوط متناثرة ومتشابكة وكأنها لازالت في الحركة والإحساس من البوح الإنساني قد منحتها القوة وقوتها أنها حضارة إنسانية بأسلوب الفن الجرافيتي بالقلم الجاف ومن خبرة وإتقان في الظل والنور وعلى هيئة اسكتشات وذاكرة ممتلئة بالفن والجمال لأحلام اليقظة. متسائلا ذاته هل فرض ذلك التلاعب الشكلي خيارا غير توصيف تبني الفن كرسالة صناعة الحلم في العالم؟ إن أعمال المعرض تعكس مايشعر به عتيق حيال هذه الفكرة وان هناك شعورا عميقا بالتعاطف مع شخصياته بان نحول أحلامنا ورغباتنا إلى حقائق، وكما يقول الشاعر «شكسبير» نحن الأساس لتحقيق أحلامنا. [email protected]