11 سبتمبر 2025
تسجيلأمدت المجتمع بما يقارب ألف أسرة جديدة وتحقق المقاصد العامة للدين *أقترح تأسيس معهد للتثقيف الأسري يحمل اسم (معهد راف الأسري)*تأهيل الشباب المقبلين على الزواج يحافظ على سياج المجتمع ويحميه من التفكك*تزويج ألف من الشباب رقم طيب ونحتاج إلى المزيد من هذا الخير الوفير*ما أنعم الله به علينا من النعم يدفعنا لتكون أسرنا نموذجاً متميزاً في الاستقرار *مطلوب إعادة النظر في مشاريعنا الوطنية لنحافظ على كيان أسرنا القطرية ونسيجها الاجتماعيالحمدلله رب العالمين على نعمة الزواج، سنة الله في أرضه لتكثيرعباده، وصدق حين قال: "ومن كل جعلنا زوجين"، وجعلها آية من آياته العظام في قوله: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".. الروم آية (22).وصلى الله على نبيه الكريم الذي حث على الزواج بسنته القولية والفعلية والتقريرية والوصفية، القائل "عفوا تعف نساؤكم"، فقد تزوج عليه الصلاة والسلام وزوَّج بناتِه وتزوج أصحابه واقتدوا بهديه (رضي الله عنهم)، فكان المجتمع المدني أفضل مجتمع على الإطلاق، وكانت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (طيبة) هي المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة والمفكرون منذ القدم وحتى قيام الساعة، وحتى نحذو حذو الرسول الكريم وصحابته في تكوين المجتمع الفاضل في قطر، ارتأت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية (راف) المساهمة في وضع لبنة من لبنات هذا المجتمع بإطلاق مشروع "راف" لتزويج الشباب منذ سبع سنوات سِمَانٍ أمدت المجتمع بأسر جديدة شبابية ما قارب الألف أسرة ووضعت لها من الخبرات الشرعية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والنفسية على أيدي متخصصين في الشأن الأسري والمجتمعي، ما نأمل أن يحقق الهدف المرجو من رفد المجتمع القطري بأسر جديدة سعيدة ومستقرة وناجحة، وما ساهمت فيه ماديا، للتخفيف من أعبائه ومسؤولياته المالية، وأرى أن هذه المساهمة تعمل على تحقيق المقاصد العامه للدين وتحقيق حاجيات الإنسان الضرورية من المحافظة على الدين والمال والنسل والعرض والعقل، كما اتفق عليها علماء المقاصد الشرعية، وهذه الحاجيات الضرورية للإنسان تغطيها محاور الدورات التأهيلية، والتي دأبت "راف" على تقديمها لمؤسسي الأسر الجديدة من الشباب والشابات المقبلين على الزواج لبناء أسر قيادية تقود المجتمع القطري، وبالتالي تقود الأمة إن شاء الله، فإن مجتمعات هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها من التمسك بالدين والتربية على مبادئه وقيمه، ولذا كان تركيز "راف" على هذه المحاور الجديرة بالتوعية الدورية والتثقيف، فكلنا يعرف أن الأسرة هي نواة المجتمع، وهي الحصن الحصين للأمة، فإن صلحت واستقرت واستقامت صلح المجتمع وإن فسدت وتفككت فسد المجتمع وتفكك، وهذا هو الملموس والمشاهد في مجتمعاتنا، وما ضعفت الأمة إلا بضعف مجتمعاتها، وما ضعفت المجتمعات إلا بضعف أسرها، وما ضعفت الأسر إلا بضعف أفرادها.وأطمع من أهل الخبرة والمعرفة أثناء الدورة توعية المقبلين على الزواج أن ما يقومون به من سلوكيات وأخلاقيات في حياتهم الأسرية هو تعبد لله عز وجل وبغية رضاه سبحانه بتعاونهم وتراحمهم وتعاطفهم واحترام خصوصيات كل طرف للآخر وما يزرع الثقة بينهما ويزيد من المودة التي تؤدي إلى السكن والتقدير، فإن ربط الإنسان حياته وسلوكياته برضا الله حاز التوفيق والسداد وكان ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.إن مشروع "راف" لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج إنما هو للمحافظة على سياج المجتمع بعد تصدعه، وتماسك نسيجه بعد تفككه، وترابط أفراده بعد تفرقهم، ولذا كانت هذه المحاور: الشرعية والصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية تحقق المقاصد السامية لديننا الحنيف، ولنا في رسولنا "صلى الله عليه وسلم" وزوجاته وبناته القدوة الحسنة في بناء البيوت وإقامة السدود أمام العواصف والزلازل الأسرية، فالله عز وجل أكد في كتابه الكريم على الوفاق الأسري في كثير من الآيات الكريمة، بل رفع من شأن المنزل الأسري بسورة الحجرات وغيرها، بل يأمر الزوجين بالمعاشرة بينهما بالمعروف في قوله سبحانه "وعاشروهن بالمعروف" والمعاشرة بالمعروف تتطلب كل خلق حسن تجاه الآخر، حتى اللقمة يضعها في فِيِّ امرأته، والمرأة تضعها في فِيِّ زوجها، وهذا خلق إسلامي وإرشاد نبوي عظيم، وهو ليس خلقا أجنبيا أتانا من الغرب كما يظن الكثير، بل هو خلق إسلامي أصيل انتفع به الآخرون وغفلنا عنه، إن كل ما ترونه من تهذيب سلوك الرجل الغربي تجاه المرأة، إنما هي بضاعتنا، ويجب أن نستردها بالرجوع إلى مصدرها المستقاة منه، وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والأعراف العربية الصحيحة، ولنا في رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أسوة حسنة، وهذا ما نراه في كثير من أقواله وأفعاله في المجتمع المدني.فالرسول "صلى الله عليه وسلم" يحض الزوج على رفع اللقمة إلى فم الزوجة (عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...وإنك مهما أنفقت من نفقه فإنها صدقة، حتى اللقمة ترفعها إلى فِيِّ امرأتك)، ولا يكون ذلك إلا عند الملاعبة والملاطفة والممازحة، وهذا من المعاشرة المعروف. والرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأمر الأزواج بالتمهل في الدخول على الزوجات، بعد العودة من الخارج، حتى تتهيأ الزوجات لاستقبالهم في قوله (أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تتمشط الشعِثة وتستحد المغيبة)، حفظا للبيت المسلم، فلا تقع عين الزوج على منظر يكرهه في زوجته فينفر منها. ويأمر (صلى الله عليه وسلم) الحجاج بعد أداء الفريضة بتعجيل الرجوع إلى أهليهم، فإنه أعظم لأجرهم "إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرجوع إلى أهله، فإنه أعظم لأجره"، للحفاظ على تلاحم الأسرة وتواصلها بعد الغياب، وعن أنس (رضي الله عنه) قال: كان النبي " صلى الله عليه وسلم" لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية " والطروق المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة، وكان يطوف عليهن كل صباح فيسلم عليهن ويدعوا لهن، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إذا صلى الصبح جلس في مصلاه، وجلس الناس من حوله حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن، ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها"، وغير ذلك كثير من حسن معاشرته لنسائه، حيث يوجه طموحهن إلى ما هو أفضل لهن ويصحبهن في أسفاره ويوصي بالترفق بهن ويتقبلهن ويودعهن ويحتمل رفع أصواتهن على صوته ويصبر على مغاضبتهن له ويوافق أهواءهن ويتلطف بهن عند مرضهن، وغير ذلك كثير، كان في حياته الأسرية والاجتماعية "صلى الله عليه وسلم" قرآنا يمشى على الأرض، كما وصفته زوجته الحبيبة السيدة عائشة أم المؤمنين (رضى الله عنها)، حري بنا أن نعلمها ونتعلمها ونعلمها بناتنا وأولادنا منذ نعومة أظفارهن في المدارس وعلى مقاعد العلم، حتى ننشئ أسرا مستقرة وأجيالا صالحة ومجتمعا متماسكا وأمة قوية يهابها أعداؤها بقوة حصونها الداخلية بقوة أسرها وتماسكها.وقد سعت "راف" بفضل الله تعالى وجدّ العاملين فيها بتبني هذا المشروع الوطني لتيسير سبل الزواج على الشباب القطري بنوعيه وتأهيلهم بهذه الدورات التثقيفية لتاسيس حياة أسرية مستقرة سليمة جديدة وفق الكليات الخمس التي من أجلها نزلت الشريعة، وهي المحافظة على مصالح العباد، وبالتالي مصالح المجتمعات، وقد ثبت نجاح مشروع "إعفاف" من خلال النتائج الطيبة للأعوام السابقة من تزويج ألف من الشباب، وهو رقم طيب، ولكنا نحتاج إلى المزيد من هذا الخير الوفير، ولذا أرى الانتقال من مرحلة المشروع إلى مرحلة تأسيس معهد أو كلية للتثقيف الأسري يحمل اسم (معهد / كلية راف الأسري) يمنح دبلوم الدراسات الأسرية وينتقل االتثقيف من أسبوع إلى عدة أشهر يعلم فيها المقبل على الزواج أسس الحياة الزوجية بالتفصيل، يكون نبراسها المثل الأعلى نبينا محمد "صلى الله عليه وسلم" في حياته الأسرية.وما دمنا حققنا الهدف الأول، فالأجدر بنا أن ننطلق لتحقيق الأهداف الأخرى، كان من المفروض وقد أنعم الله علينا بكل أسباب الاستقرار والتماسك الأسري والاجتماعي والاقتصادي والصحي والعلمي والأمني والسياسي أن تكون أسرنا نموذجا متميزا في الاستقرار وعدم التفكك للمجتمعات الأخرى، لكن للأسف نجد العكس، وهذا يثبت لنا أن هناك خللا في المنظومة العلمية والتعليمية والاجتماعية في الواقع، مما يؤكد لنا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في مناهجنا وبرامجنا وخططنا ومشاريعنا الوطنية، لنحافظ على كيان أسرنا القطرية ونسيجها الاجتماعي الوطني، الذي بدأ في الانحراف عن هوية ودين وأصالة وقيم ومبادئ مجتمعنا، ومؤسسة راف أهل لأن تبادر بتوسيع مشروعها الأسري إلى معهد علمي للعلوم الأسرية بتوفيق من الله وفضله، ونحن إذ نبارك لهذه المؤسسة الجديرة بالتقدير والاحترام وتهنئتها بانتهاء مشروع إعفاف (7) بنجاح، نثمن لها مبادراتها وإسهاماتها الكبيرة في خدمة أمتها في الداخل والخارج، لنتقدم لها بالتهنئة القلبية على بلوغ بناء الألف أسرة، تنضم إلى ركب الأسر القطرية المباركة في وطننا العزيز، وفقكم الله وسدد خطاكم (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) والحمد لله رب العالمين.