13 سبتمبر 2025
تسجيل(1) المسجد الأقصى منتهى الإسراء ومنطلق المعراج وأحد المحاور لذكرى معجزة الإسراء التي يحتفل بها البعض في السابع والعشرين من رجب. وبعيدا عن الجدل الدائر في صحة هذا التأقيت من عدمه، وهل كانت الحادثة في رجب أو ربيع، وهل كانت قبل الهجرة بعام أو أكثر، كل هذا لا ينبغي أن يشغلنا لأن الحقيقة أن الواقعة حدثت، وأن القرآن وصحيح السنة خلدا ذكرها، وأن هناك دروسا ينبغي أن يقف المسلمون عندها منها: هذا الربط العجيب الآسر بين المسجدين المعظمين، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ والأقصى أي الأبعد، والمراد بعده عن مكة، وهو وصف كاشف اقتضاه هنا زيادة التنبيه على هذه المعجزة وكونها خارقة للعادة لكونه قطْعَ مسافة طويلة في بعض ليلة. والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد تم بناؤه بعد المسجد الحرام، ففي الصحيحين عن أبي ذر قال: قلتُ يا رسول الله أي مسجد وُضع في الأرض أول ؟ قال: المسجدُ الحرام. قلت: ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى. قلت كمْ بينهما ؟ قال أربعون سنة. فهذا دلالة الربط الأول بين المسجدين، ثم يأتي قول الله (باركنا حوله) ليضيف بعدا آخر لهذا المكان المقدس، فهي أرض مباركة، كذا نص القرآن في أكثر من موضع: ﴿وَنَجَّيْنَـٰهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ قال ابن كثير: هي بلاد الشام، وقال عز من قائل: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـٰهِرَةً ﴾ قال ابن عباس: القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا ﴾ والقرية هي بيت المقدس كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، وقال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾. وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ وفي قصة موسى:﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة:21]، قال الزجاج: المقدسة الطاهرة، سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين، وهي التي أقسم الله بها فقال: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾. ووصف القرآن أرضها بالرَّبوة ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون فيه النبات، ومـاءها بالمعـين الجاري، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ قال الضحاك وقـتادة: وهو بيت المقدس. وليست هذه فضائل المسجد وفقط، بل غير ذلك كثير، ولعلنا نقف على بعضها في المقال القادم بإذن الله.