15 سبتمبر 2025

تسجيل

أقلّ من أمل لأكثر من خراب

28 يناير 2014

ربما نعثر على تاريخ مشابه لدومة الجندل؛ فالحرب التي لم تضع أوزارها إذّاك، هي الآن ترتع وتلعب في الديار، وثمة من يفكّر في إخراجها، دومة الجندل بلبوس جديد مع حفظ الفارق، فبعد كلّ صفين ثمة دومة جندل، ثمة أصحاب يتخاذلون، وآخرون يقفون مع الطعام الأدسم، وقبل كلّ صفّين داحس والغبراء، والبسوس، وبعد كلّ هذا لم يبق من حكايات الانتصارات العابرة إلا كلمات في نصوص يستأنس بها صبيان المدارس، ويسمر بها الشيوخ في الشتاء. كانت دومة الجندل تبعد تسع مراحل بالضبط بينها، وبين كلّ من دمشق والكوفة، ويقال إنها كانت واحة في صحراء وبها بحيرة صغيرة، فما قصة البحيرات والسلام؟ لم تكن دومة الجندل مشهورة بالحلوى ولا بالساعات العتيقة، ولكنها كانت أولى بلمّ الشعب العربيّ من بلاد أخرى، فضول عدسات فضائياتها لا يطاق حتى إنها تتجسّس على مشاهيرها، ربما تقولون إن اسم (جنيف) جميل وسهل، ويدخل القلب والشعر دون زحافات كأن يقول شاعر عربي هامَ حبا بجمال المكان وحسناواته: ألا ليت شِعري هل أبيتن ليلة بوادي (جنيفٍ) والسلام بعيدُوهل ألقين فرداً (جنيفا) مــــــرة تجودُ لنا من ودها، ونجـــــــودُوستقول السماح يا جدّي جميل بن معمر، فقد أخذ عليّ الاسم كل مأخذ، وتقول سامحني يا درويش، لأني قصصت بعض كلماتك في الطريق إلى جنيف لأرتقي وجعاً أكبر من كلّ خرق:وأنت تحاور خصمك.. حول النشيد والعلم الوطنيّ.. ولون النجوم.. فكّر بمن يسكنون الخيام.. وأنت تحاور هذا الذي كان يوماً أخاك .. تذكرّ أنّ الذي ضاع منك (أخوك).. وأنت تلوّح للفاتنات.. بنات جنيف.. تذكّر نساء المخيّم (ملك اليمين).. يطاردهن ذئاب النخاسة كلّ صباحٍ.. بفتوى إمام.. وأنت هنا تتحاور.. تشير إلى الكهرمان.. ووهج الثريّات في البهو.. فكّر بمن يسكنون الظلام. ***فيا من كنتما "أخيّين أرضعا بلبان".. ها أنتما الآن في دومة الجندل؛ هو مشدوخ الرأس، وأنت تستعين بعكاز، ها أنتما الآن هنا دائخَين، ثملَين، تقطّعان قميصيكما بكلمات آبقة، ها أنتما الآن هنا؛ ولم تدركا بعد أنّ الشمس لن تكفّ عن الشروق والغياب، وأنّ أمكّما وحدها تنتظركما معاً، ستجدان موتاً مناسباً، وبلاداً أخرى، ستجدان البريد بكامل طيوره، يتفقّد الغروب قبل صعود الصخرة إلى القمّة.