29 سبتمبر 2025
تسجيلتعاني سورية غير القصف والجوع والنزوح، تعاني الظلام الدامس، فلعدة أيام تنقطع الكهرباء عن المناطق الهادئة نسبياً، والتي باتت ملاذاً للنازحين السوريين من المناطق الساخنة، تقاسموا مع أهلها الأمان والمحبة والأمل بانفراج الغمّة. وبين الفترة والأخرى تعود الكهرباء وتعود مها غالباً الاتصالات اللاسلكية. بالأمس جاءتني رسالة من الشاعر السوري إبراهيم المرعي تصف ما آل إليه أمر الشعب السوري، من معاناة خطرة على مختلف المستويات: هي الدنيا تضيق بعين حرٍّ كما رحُب السُّخام على الفقيرِ نعاتبُ ما تبقّى من زمـــــانٍ قضيناه على حرِّ الهجـــــــيرِ فلا والله ما خانـــــت دموعي على الأيتـــــام كالهطـــــــــلِ المطــــيرِ وداعــــــــــــــــاً يا سلامُ ويا أمانٌ وداعـــــاً يا مصــــــابيح السمــــــيرِ ظــلام في ظــــلام في رزايــــــا يمــــوت الشــــوق في طفل السرير إبراهيم المرعي طالبي قبل سنين، وزميلي في التدريس، وصديقي الذي آنس إليه، ورفيق الدرب في العطلة مع قليل من الأصدقاء بقيت على تواصلٍ معهم، عرفته طفلاً وشاباً ورجلاً، صادقاً واثقاً رزيناً هادئاً، وكنت رأيته قبل سنتين بداية الأحداث خائفاً على البلد، وعلى منطقته الصغيرة القامشلي ذات الخصوصية العرقية التي تنذر بتوترات متجددة في أتّون الحراك السوري الصاعد. كلّمني هاتفياً وكلّمته مرات عديدة، وكنت ألمس هدوءه وأمله بالله أن تفرج على خير، وكنا نتبادل الدعاء خاتمة كلّ اتصال. في زياراتي المتقطعة للبلاد يزورني إبراهيم، فنسهر إلى وقت متأخّر، وعندما يودعني أخرج في وداعه وبينما نسير نحو بيته أقصى القرية يأخذنا الحديث، فيصرّ أن يمشي معي إلى بيتي، وهكذا نستعيد السهر ماشين في شارع القرية الهادئة، الشارع المفضوح بمصابيح أعمدة النور، وربما دعونا أنفسنا عند زميلنا مدرّس الرياضيات محمود السلوم الذي يعود من المدينة متأخراً بعد حصص التقوية التي ازدهرت في البلاد السنوات الأخيرة. استشهد الأستاذ محمود في أثناء الأزمة بطلقة طائشة، ولم أعد أتصل بأحد إلّا لماماً، وأسعد باتصالات إبراهيم المرعي سائلاً إياه عن الناس والأمان والقامشلي، وسورية. البلاد التي عادت خمسين سنة إلى الوراء وباتت صالحة لتصوير مسلسلات من القرن التاسع عشر. جاءتني رسالة إبراهيم أو أبياته بينما كنت أودّع أشقياء الحرف في معرض الكتاب، أدعو للعائدين إلى سوريّة بفرجٍ قريب، وأمان ٍ مفقود، وأحث الخطا في الساعات الأخيرة من عمر المعرض نحو عناوين مهمّة، أشدّ على أيدي الأصدقاء والزملاء الذين التقيتهم مصادفة، أحضر حفل توقيع كتاب، مصابيح الإنارة تتوهج، السامر ينفضّ، الناشرون يلمّون بضاغتهم، والنور يخفت، ورسالة إبراهيم في جيب هاتفي النقّال، لابأس فتفعيلات الوافر حاضرة في النص، أتذكر يوماً شطراً من ذات البحر أعطيته طلابي ليجيزوه: " على وجعي أعلق مفرداتي"، كان إبراهيم أحدهم، وكانت النتيجة نصوصاً رائعة لشبان صغار خطفتهم من الشعر الجامعات والوظائف.