11 سبتمبر 2025
تسجيلما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله، عملية طوفان الأقصى المجيدة حدث فارق في تاريخ المنطقة بل ربما العالم، مثله مثل حرب الخليج الثانية والحرب الأمريكية على العراق 2003. إذ سيكون لطوفان الأقصى تداعيات هائلة على مستويات متعددة، بدأ يظهر بعضها الآن، كما ستغير الكثير من المعادلات والتوازنات في المنطقة وخارجها. وليس من قبيل المبالغة القول إن طوفان الأقصى هي الحدث الأبرز في تاريخ إسرائيل التي ستزلزل داخلها برمته، حيث سنشهد داخلا إسرائيليا مغايرا تماما على كافة الأصعدة خلال العقد القادم. خلال العقدين الماضيين، ارتسم الداخل الإسرائيلي بوضوح على كافة مستوياته. فعلى المستوى السياسي غلبة واضحة ليمين الوسط المتحالف مع اليمين المتطرف بقيادة الليكود. وعلى الصعيد الاجتماعي، مجتمع قوامه من المهاجرين ربعهم تقريبا علمانيون، والباقي مع اليهود الأصليين يمينيو النزعة لكن بدرجات متفاوتة. أما على المستوى الاقتصادي، اقتصاد كبير ومتطور خاصة على الصعيد التكنولوجي، لكنه ليس بحجم وقوة اقتصادات الدول الكبرى والصاعدة والمتوسطة كالولايات المتحدة والصين وفرنسا على سبيل المثال. وأخيرا، المستوى العسكري، جيش يمتلك أحدث الأسلحة المتطورة خاصة الأمريكية، فضلا عن السلاح النووي، لكن لا يمكن وصفه بالجيش العظيم أو جيش القوة الكبرى على غرار الجيش الأمريكي ولا حتى التركي. لافتقاره لعدة مقومات رئيسية كالقوة البشرية والعمق الاستراتيجي، فإسرائيل قد هزمت في جميع المعارك التي خاضتها منذ 1973. الشاهد في الأمر أن إسرائيل خلال العقدين الماضيين بقيادة اليمين بصفة عامة، قد ازدهر اقتصادها بشكل كبير، ونجحت في جلب الآلاف من يهود الشتات إلى إسرائيل خاصة من شرق أوروبا وروسيا، وطورت من إمكانات جيشها. حتى ترسخت قناعة أسطورية أن أمن وسلامة إسرائيل في أمان تام، وأن جيش إسرائيل لا يقهر، وهذا أمر لا غنى عنه لضمان بقاء يهود الشتات في الداخل، وجلب المزيد لاسيما يهود الولايات المتحدة لنجاح دولة إسرائيل العظمى وموازنة التسارع الكبير في زيادة أعداد الفلسطينيين. تلقت إسرائيل في 7 أكتوبر وذلك بحسب اليهود أنفسهم أكبر هزيمة مذلة غير متوقعة في تاريخها، فهي الحدث الفارق كما أسلفنا في تاريخ إسرائيل، وأبرز ما كشفته طوفان الأقصى على الإطلاق هو الأسطورة الوهمية لجيش إسرائيل الذي لا يقهر، ونظرية الردع الإسرائيلي الجبارة. وعلى أثر ذلك، فالانعكاس الأول المباشر الذي لا جدال فيه لطوفان الأقصى هو فقدان الداخل الإسرائيلي للثقة التامة في اليمين القابض على زمام السلطة لعقدين، مقابل صعود ملحوظ في الثقة والشعبية لأحزاب اليسار والوسط وربما الأحزاب العلمانية. والحقيقة شعبية اليمين في إسرائيل لاسيما حزب الليكود بقيادة نتنياهو تشهد شعبيتها بعضا من التآكل النسبي منذ 2006، إثر حرب إسرائيل مع حزب الله، وزيادة الكتلة التصويتية الشعبية للعلمانيين واليسار، وضم حكومات اليمين أحزاب أقلية شديدة التطرف كحزب شاس، التي تذهب في التطرف إلى حد تحريم ممارسة المهام العسكرية في المناسبات. حيث يحملها البعض في إسرائيل هزيمة طوفان الأقصى بسبب تراخي الجنود اليهود في مهامهم يوم 7 أكتوبر عيد «سمحات توراة» اليهودي. وتراجع شعبية اليمين المتطرف، لا بد أن يتبعه تغيير تام في طبيعة النظام الانتخابي في إسرائيل، الذي يعد من نقاط الضعف الرئيسية لإسرائيل. فالنظام الانتخابي في إسرائيل لا يتيح بسهولة أن يشكل حزب بمفرده الحكومة، فمنذ الثمانينيات لم يتمكن حزب بمفرده من تشكيل الحكومة، فعادة ما يتحالف الحزب الحائز على أغلبية مع أحزاب صغيرة-وعادة المتطرفة- ليتمكن من تشكيل الحكومة، وبالتبعية، تتبع الحكومات الإسرائيلية سياسات شديدة التطرف حيال الصراع العربي الإسرائيلي لإرضاء الأحزاب المتطرفة المتحالفة معها. وانحسار اليمين في إسرائيل، لا يعني نهايته تماما، فإسرائيل دولة دينية بالأساس، والسلطة الدينية والحاخامات لهم سلطة وقوة دينية وروحية ومعنوية على النظام السياسي والشعب الإسرائيلي، علاوة على أن اليهود المتطرفين لهم قوة لا يستهان بها في إسرائيل لاسيما على المستوى الاقتصادي، ولا ننسى أيضا أن الشعب اليهودي ذاته يميني النزعة يؤمن بدولة إسرائيل الكبرى، ورافض لحل الدولتين، لكنه مجرد فاقد الثقة في حكومة يمينية وليست سياسات يمينية. إذن، نحن سنكون إزاء مشهد متناحر داخل إسرائيل، غلبة حكومية مرتقبة لليسار والوسط، تصارع ضد يمين سيزيد تطرفا إثر هزيمة طوفان الأقصى، مما سيفضي بالطبع إلى تعزيز الضعف والانقسام داخل إسرائيل. وعلى مستوى آخر، ستعمق طوفان الأقصى من أزمة الهجرة والاقتصاد في إسرائيل، ولعل ذلك أكثر ما تخشاه إسرائيل، هدم طوفان الأقصى ليهود الداخل والخارج مرتكز الأمن والرخاء الذي توفره إسرائيل لشعبها، ومن ثم، لم يعد يهود الداخل من المهاجرين يشعرون بالأمن مهما عملت إسرائيل من تدابير، فيهود الداخل يشعرون في داخلهم بأن العداء لإسرائيل يتزايد وقوة المقاومة تتزايد، وبالتالي، من المؤكد أن وتيرة الهروب من إسرائيل ستتزايد خلال الفترة القادمة، والعكس صحيح بالنسبة لوتيرة الهجرة إلى إسرائيل. طوفان الأقصى ستجعل إسرائيل تنفق على التدابير الأمنية والعسكرية بجنون رهيب، وهذا بالطبع سيكبد الخزينة الإسرائيلية مبالغ طائلة، ومن ثم، سينعكس ذلك على قوة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث ستعتريه الهشاشة بشكل كبير، وستكون تداعيات ذلك خطيرة على كافة المستويات، كالاستقرار الحكومي والاجتماعي، وملف الهجرة.. وغيرها. تداعيات طوفان الأقصى على الداخل الإسرائيلي لا تحصى، لكن يمكن إيجاز أبرزها في تزايد الصراع الداخلي بين المتطرفين والعلمانيين، تقويض خطط الهجرة، ضعف كبير مرتقب للاقتصاد الإسرائيلي، تنامي عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.