31 أكتوبر 2025

تسجيل

كم في المقابر من قتيل لسانه!

27 نوفمبر 2013

للإمام الشافعي رحمه الله قصائد شعرية تحوى حكما تربوية غالية الثمن عميقة الهدف تبين عن رجل خبر الحياة مخبرة تامة، وتفهم طبيعة النفس البشرية تمام المعرفة، ومن تلك الأبيات ما قاله يوما:احفظ لسانك أيها الإنسانلا يلدغنــك إنه ثعبــــانكم في المقابر من قتيل لسانهكانت تهاب لقاءه الشجعانهذا المهاب لم تهرم قوته ولم تلن قناته، ولكن ضعفت نفسه عن تحجيم لسانه، وهنا نستحضر قول بعض الصالحين: "لساني سبع إن أرسلته أكلني".ونظرا لخطورة اللسان وأثره السلبي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه معاذ بن جبل في الحديث الطويل الذي خاطب فيه النبي قائلا: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ وقد أوصاه النبي بوصايا متعددة وحثه على أداء الفرائض، ودله على أبواب الخير، ونبهه على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، ثم ختم وصيته الجامعة بقوله: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: قلت بلى يا رسول الله. قال: " كفَّ عليك هذا" وأشار إلى لسانه.لم يكتف النبي — صلى الله عليه وسلم — بأن يقول احفظ عليك لسانك، فقد ينسى هذه الكلمة، ولكنه استعمل وسيلة إيضاح وتثبيت للوصية، وتأكيد للموعظة.. فأشار إلى لسان نفسه وقال: كفَّ عليك هذا.. فليس هناك شيء في الأرض أحوج إلى طول سجن من اللسان — كما قال ابن مسعود — وقد اشتغل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باللسان لعلمهم خطورته، واقتلعوا جذور الآفات فيه بالمحاسبة والمراقبة، ولم يركنوا إلى فضل أعمالهم وحسن صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ناصبوه العداء، ففي مسند البزار من حديث بن أسلم عن أبيه قال: أمسك أبو بكر رضي الله عنه يوما بلسانه وقال: هذا الذي أوردني الموارد. حتى ورد أنه كان يضع فيه حصاة حتى لا يتكلم إلا بخير.وكان ابن مسعود يمسك بلسانه ويقول: " يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم" وقد أخذ ذلك من الحديث الشريف" رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم" هذا هو المسلم الحق الذي يعيش بين درجة ترفع أو يسكت عن سوء فيغنم؛ لأنه ما يدري أن تورده تلك الكلمة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي — صلي الله عليه وسلم — يقول: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".وفي حديث آخر: " يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " أي سبعين عاماً.. وذلك من أجل كلمة تافهة، لا يلقي لها بالاً، ولا يعيرها التفاتاً، ولا يدرى المسكين أن هذه الكلمة هوت به إلي النار، وبئس القرار..وفي الحديث الذي رواه أبو الشيخ بإسناد حسن عن أنس مرفوعاً " عسى رجل منكم أن يتكلم بالكلمة، يضحك بها القوم، فيسقط بها أبعد من السماء! ".ومن الأشارات الهامة في ضبط اللسان ما كان يفعله بعض السلف من رياضة الصمت، حتى أثر عن لقمان الحكيم كما ذكر صاحب البداية والنهاية أنه قال: " إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب".ولهذا قالوا قديما:جراحات اللسان لها التئامولا يلتأم ما جرح اللسانوقال غيره:يموت الفتى من عثرة بلسانهوليس يموت المرء من عثرة الرِّجلِفعثرته من فيه ترمي برأسهوعثرته بالرجل تشفى على مهل.