11 سبتمبر 2025
تسجيللحظة الخطر هي لحظة العقل والحكمة، هي لحظة يستدعي فيها الإنسان كل وعيه ويقينه وثقافته وإيمانه، وكذلك الأمم التي بقيت عبر التاريخ، تصارع من أجل البقاء والنمو والحفاظ على وجودها، هذه هي اللحظة التي تمر بها مصر. بينما كان العالم ينظر تجاه الحدود بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة ويثار سؤال من كسب ماذا ومن خسر وما الذي خسره؟، وبعد أن غادرت وزيرة الخارجية الأمريكية بعد إعلان هدنة التهدئة على حدود غزة، والتسريبات تتحدث عن هدنة مداها خمسة عشر عاما!، والتحيات والتقديرات تصل رئيس مصر المنتخب، كان هناك مطبخ في الرئاسة المصرية يشعل فتيل انفجار لا يعلم مداه إلا الله، ويفتح الباب على مصراعيه لاقتتال داخلي لم تشهد مصر له من قبل مثيلا. أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إعلانا دستوريا، من ست نقاط، تحمل معنى النزوع للانفراد بسلطة الحكم، وتحمل من العناد والثأر أكثر مما تحمل من المسؤولية والضرورة. واشتعل الفتيل، وبدت شواهد الانفجار القادم تتوالى. صدمة تحصين الجمعية التأسيسية للدستور، كانت عنادا واضحا وتجاهلا، لمعنى التوافق، ولموجات الانهيار التي أصابت أداء الجمعية، وكأن مصدر القرار يدفع إلى غير الحوار سبيلا لحل أزمتها، ويرفع ولاية القضاء عن الحكم في الطعون المقدمة في تشكيلها. والصدمة الثانية هي إلغاء دور القضاء ومصادرته وغل يده عن الفصل في كل الدعاوى المنظورة أمامه بشأن مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية، وبالتالي قرارات مجلس الشورى بشأن الصحفيين وغيرها، ثم المعنى الضمني بتجاهل حق الرئيس في إعادة تشكيل الدستورية لتصل إلى حالة التوافق. الأمر الثالث تحصين قرارات الرئيس ذاته، أي أنه فوق المراجعة، وامتلك بذلك صفة الخصومة ــ وهو صانعها ــ وصفة الحَكَم، وخاصية الحصانة المطلقة، وهل للاستبداد تعريف مخالف لذلك؟ بداية لننتهي من وصف ما صدر بالإعلان الدستوري، فهذا ليس من حقه على الإطلاق، ويبدو أن مستشاريه قد تناسوا من له هذا الحق، فهو ليس سلطة استثنائية كما كان المجلس العسكري، وليس قائد ثورة، ولكنه رئيس بالانتخاب، فهو سلطة تنفيذية وفقط، وله أن يصدر قرارات بقوانين لحين انعقاد مجلس الشعب المنتخب، وألا يعتمد على أن تؤول إليه سلطة التشريع بناء على إعلانات سابقة. هذه البداية تقول إن هناك غيابا معرفيا، وهناك ادعاء بحقوق لا يملكها يدعيها لنفسه أو يدعيها له آخرون. ثم أليست هناك شبهة في هذا الإعلان، بأنه محاولة للثأر من القضاء، والذي خسر في مواجهته معركتين سابقتين واحدة مع الجمعية التأسيسية بشأن قراره بدعوة مجلس الشعب المنحل للانعقاد مخالفا في ذلك حكم المحكمة الدستورية، وهو يضمر للمحكمة وأعضاء فيها خصومة عندما أوجبت المحكمة أن يقسم أمامها وعلانية قسم رئيس الجمهورية، ثم بمواقف من أعضاء منها جرت أمام المجلس العسكري قبل الانتخابات وكشفت اتفاقاته كممثل لجماعة الإخوان على حساب الثورة ولحساب الجماعة. والمعركة الثانية معركة إقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وموقف نادي القضاة ومجلس القضاء الأعلى والهيئات القضائية ضد قراره الذي لا يحمل سندا لأن منصب النائب العام محصن ضد الإقالة. وثالثا أليس وضع كل من لديه تحفظ على ما حصنه أمام طريق مسدود بمنع اللجوء للقضاء، هو دعوة لاستخدام أساليب أخرى؟ السؤال الآن لماذا إشعال الفتيل في هذه اللحظة؟ ولماذا استبدال مناهج إدارة الدولة وتوحيد الأمة بالعناد وبالإقصاء؟ ثم هل هذا خطأ وقع فيه دون قصد أم أنه إجراء متعمد لدفع المجتمع لانقسام أشد يطلق يده على الجانب الآخر لقرارات تمس السيادة الوطنية وتمس أهداف الثورة ومهامها؟ نعم عملية إصباغ كل مؤسسات الدولة بعناصر ولاؤها للإخوان، بغض النظر عن القدرات السياسية والفنية لأداء المهام، كانت عاجزة عن اختراق القضاء، فهل هي محاولة لاختراق القضاء وبالقوة؟ والقوة هنا ليست الانقلاب ولا سلطة القرار، ولكنها تجسدت عندما انعقدت الجمعية العمومية لنادي القضاء يوم 24 نوفمبر، وهاجمتها جماعات وصفت بأنها مسلحة في محاولة لمنع الاجتماع. فهل هناك عقل في هذا الأداء وهذه الإدارة؟ مراقبة أداء الإخوان من قبل الثورة وأثناء الأيام الأولى وخلال كافة المواجهات التي جرت بين الشباب والمجلس العسكري والدماء التي سالت، ثم أداء مجلس الشعب المنتخب، وخطاب التعالي الإخواني، أدى إلى تولد حالة رفض شعبي لهم، ولو كان هناك في مواجهة مرسي أحد غير شفيق في انتخابات الرئاسة، ما كانت النتيجة لصالحه، ويبلغ الضغط مداه بهذا الإعلان، فينفجر الشارع في كل المحافظات ضدهم وتنشب معارك الشوارع ومحاولات حرق المقار، لتدوم أربعة أيام حتى اللحظة. ويبرز سؤال من الفاعل الأصيل في هذا؟ أليس هو من أقسم على التزام المسؤولية عن حماية الوطن والشعب من كل خطر يتعرض له وبديلا عن ذلك يصنع هو مشكلة الانقسام ويصر عليها ويفتح باب الاقتتال؟، وهو الأمر الذي استدعى أن يصدر القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع يوم 25 نوفمبر بيانا يعلن فيه أن الجيش مسؤول عن حماية الوطن والشعب داخليا وخارجيا! وتسري في مصر مقولة هي الخطر الداهم، إن كان حزب الحرية والعدالة هو الذراع السياسية لجماعة الإخوان فإن حماس هي الذراع العسكرية للجماعة، وهو ما ينقل الوعي بالقضية الفلسطينية والمقاومة إلى مرحلة تتسم بسواد الخصومة وهذا إحساس دخيل على الوعي الشعبي المصري، وكأن هناك من يريد استبدال الخصومة من أن الخطر هو إسرائيل إلى أن الخطر هو المقاومة الفلسطينية. وتنقل أجهزة إعلام مصرية وأمريكية وإسرائيلية أنباء عن أن قبول إسرائيل بالهدنة سبقه اتفاق وتأكيد أمريكي صادر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لرئيس وزراء إسرائيل بأن قوات أمريكية ستصل طلائعها خلال 48 ساعة من التوقيع ومهامها، تأمين سيناء وتدمير أي مخزون للصواريخ الإيرانية بها، وأنها ستتولى السيطرة على سيناء من شرق القناة حتى الحدود مع إسرائيل، لمنع عبور الأسلحة القادمة من السودان وسوق السلاح في ليبيا إلى غزة، وذلك لتعويض قصور أجهزة المخابرات المصرية والجيش المصري في التصدي لعمليات التهريب هذه. وتتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الوجود العسكري الأمريكي سيحول بين مصر ومطالبها بتعديل كمب ديفيد أو إلغائها، وعلى الناحية الأخرى فهي ستفتح سيناء لتكون ساحة مواجهة بين تنظيمات مسلحة والقوات الأمريكية القادمة. وتنقل "الأهرام المصرية" عن صحيفة هآرتس موافقة رئيس مصر على نشر أجهزة رصد إلكترونية على طول الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو ما رفضه من قبل مبارك وتحدث بأنه "خط أحمر". ويبدو أن كل الخطوط عند الإدارة المصرية الآن لا لون لها ولا معنى سوى خط السلطة بين جماعة الإخوان وبين كرسي السلطة، والسلطة المطلقة. مازالت في مصر آراء تتهم السادات بالتفريط في السيادة المصرية على سيناء بتقسيمها إلى مناطق ثلاث تحد من وجود القوات المسلحة فيها، وكان السعي دائما للمطالبة بإلغاء اتفاقية كمب ديفيد وعودة الجيش إلى كل الأرض وفق رؤيته العسكرية في انتشار قواته دون مانع. وأثناء العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 كان الاتهام الأساسي لمبارك أنه يسهم في حصار القطاع ويشارك إسرائيل ذلك، واتهم بالخيانة، فما بالنا اليوم وهناك هذا القبول بالوجود الأمريكي في كل سيناء، وإطلاق يد هذه القوات في التعامل مع من تراه خطرا أو هدفا، فهي موجودة، وهي صاحبة القرار في قواعد الاشتباك. هذه الازدواجية، التفريط في السيادة والقبول بالقوات الأمريكية فوق الأرض وحرية قرار الاشتباك، وعلى الناحية الأخرى التغني بحكمة الرئيس في وقف العدوان على غزة، هو تفريط في مصر واستقلالها، ولو كان مبارك فعلها لاتهمه الإخوان بالخيانة، وهل عندما يفعلها الإخوان يسقط اتهام الخيانة؟ الخطر في الشوارع المصرية، والقوات الأمريكية وبكل الرضا تصل إلى سيناء وليست في حاجة إلى هجوم جوي أو بحري، وانفراد بالسلطة المطلقة، فهل يمكن أن يكون الحوار سبيلا لتدارك هذا الخطر؟ وهل هناك سبيل آخر يحول دون تفاقم الخطر وأزمة الثقة؟ مصر في دائرة الخطر وليس مجرد الثورة، وتحت عباءة الدين يتم التفريط في السيادة الوطنية وقضية العرب المركزية... فلسطين وليس أمن إسرائيل.