11 سبتمبر 2025
تسجيلاستقرار المجتمعات هو تعبير عن ميزان القوى داخل المجتمع والقدرة على التعبير السياسي عن تلك القوى، وأي خلل يصيب ميزان القوى يدفع إلى صراع يستمر طالما لم يتحقق توازن للقوى ينتج العدل ويحدد المسؤولية المشتركة عن المجتمع.لم يتغير ميزان القوى الاجتماعية في مصر، ولكن جرى تحريك للقوى المكونة للدولة، والإضافة التي أنتجتها ثورة يناير 2011 هو إطلاق حالة الحراك داخل المجتمع وتجاوز الفئات الشعبية لحالة السكون وكسرها لحاجز الخوف ولكن هذا الحراك لم يتحول إلى قوة لأنه يفتقد الرؤية ويفتقد القيادة.ابلغ تعبير عن ذلك هو يونيو 2013. والفصل بين يناير 2011 ويونيو 2013 هو تجاوز من أصحاب مصالح وعناصر تحاول إجهاض نتائج حركة الشعب.يونيو 2013 كانت إعلان لموقف تراكم عند الشعب ضد محاولة صياغة يناير 2011 لصالح جماعة الإخوان وكل التيارات التي تتخذ من الدين ستاراً للسيطرة على المجتمع، فضلاً عن انحرافها عن صحيح الدين كما عاشة الشعب ودفع الحراك الشعبي إلى تعديل في مواقف القوى داخل الدولة مما أدى إلى حسم الموقف يوم 3 يوليو 2013، ولكنه كان حسماً منقوصاً، وكانت نقطة الضعف الجوهرية فيه هي التيارات السياسية التي عبر منها السياسيون الذين اختاروا عناصر خريطة الطريق وتوقيتاتها وكأن هناك جمرة نار في يدهم يريدون التخلص منها، بأن الخطر في جماعة الإخوان وحدها جعل نتائج 3 يوليو 2013 تغفل عن ضعف التعبير السياسي داخل المجتمع وعدم قدرته للامساك بجوهر المشكلة والتي تتجسد في المكون السياسي من نخبه أو أحزاب، تتعامل وكأنها تمن على الشعب ولا تملك حلاً لمعضلاته، ففقدت حقيقة المواجهة فوق الأرض، هل هي صراع مناصب وصياغات دستورية أم هي حرب وجود.أغفلت القوى السياسية دلالة يوم 26 يوليو 2013 وأثرة على ميزان القوى الدولي تجاه مصر، واكتفت فقط بدلالة الاستجابة الشعبية لنداء صدر من القائد العام للقوات المسلحة بطلب تفويض، واستغرقهم أمر طلب التفويض بين ناقد له وبين معظم لسرعة الاستجابة الشعبية لطلب القائد العام (36 ساعة) وحجمها (44 مليون).في تقديري أن هذا النداء (يوم 24 يوليو 2013) والاستجابة له بعد 36 ساعة بخروج شعبي تجاوز الحشود السابقة عليه حدد من يقود حركة التغيير في المجتمع ولا أتجاوز أن أقول من هو المؤهل لأن يكون قائد الثورة.نداء 24 يوليو ووقائع 26 يوليو 2013 دفع بتغير جديد، أن مصر تملك قرارها، وانتقلت من مواجهة موجة (أنه انقلاب) إلى أنه استرداد للقرار إلى الإرادة المصرية.26 يوليو 2013 كان تحديداً في الموقف من القوى الدولية، تخرج مصر من قضبان محبس أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، وأيضاً كانت نقطة الضعف تتجسد في موقف الكيانات السياسية وأغلب النخب السياسية.وبقدر قيمة المواقف الأربع في 30 يوليو و3 يوليو و24 يوليو و26 يوليو 2013، فإن الموقف المضاد تحول من حالة الكلام السياسي والحركة الشعبية السلمية إلى مواجهة من نوع جديد التوصيف المباشر لها هو دفع مصر إلى الحالة السورية والعراقية والليبية، لكن الحقيقة أنه ليس دفعاً للداخل إلى تلك الحالة، بل هو حصار أيضاً من الخارج.الحصار الخارجي لمصر لا يتوقف عند حد طبيعة الحالة في ليبيا أو السودان أو الحدود الشرقية بشقيها إسرائيل وحركة حماس، ولكنه يتنامى في كل شرق إفريقيا ومنابع النيل وما يمكن أن يطلق عليه السودان بشقيه الشمالي الإخواني والجنوبي الذي تعتبر إسرائيل فيه صاحبة اليد الطولي.26 يوليو 2013 حدث كشف أبعاد الخطر الخارجي الذي يهدد الأمن القومي وضرورات تعديل ميزان القوة لتتمكن مصر من حماية أمنها القومي، وأيضا يتجسد الضعف في الحالة السياسية في الداخل المصري.التمني لا يحول الضعف في الحالة السياسية وانعزالها عن الأخطار اليومية والإستراتيجية وغياب إدراكها بدلالات الحراك الشعبي، لا يحول ذلك كله إلى حاله قوه ولن تكون نتائج صندوق الانتخابات النيابية غير تعبيراً عن الضعف ووضع سلطة التشريع في يد غائبةً عن إدراك حقيقة الأخطار والأهداف.إن الإجابة على سؤال من يمثل الثورة لا تعتمد على مجرد الكلام. فالكلام لا ينبت عشباً، ولا حساب عدد سنوات السجن لكنها تعتمد على ماهية المواقف التي أكدت الثورة والاتجاه إلى دعم الأمن القومي.ويبقى سؤال حول الإرهاب الداخلي والموقف منه، سؤال يطرد الساسة خارج حلبة الاحتياج الوطني، ويسقط العديد ممن يتحدثون عن ديمقراطية لا تتيح الدفاع عن الوطن وحقوق لأفراد، مكونها الرئيس هو المال السياسي الذي تتلقاه على حساب حق البقاء للوطن وبناء قدرته على توفير مكونات هذا البقاء.اغتراب الساسة والكيانات السياسة عن حالة المجتمع وعنفة البشري أضاف أحاديثهم إلى حالة من الابتزاز لمحاولات إدارة أزمة الوطن ومهام التغيير، إلى أحلام أقرب إلى الوهم منها لأي أداء جاد يضع المهام على طريق الاتجاز، وتحولت الشعارات إلى حالة من الإرهاب تضاف إلى إرهاب السلاح والانفجارات والمولوتوف.وتداعت صورة أخرى للإرهاب تديره الثروة المنهوبة في زمن مبارك والتي تملك شاشات الفضائيات، فمصالحهم تتضارب وما تتطلبه مهام الثورة وتحاول إقصاءها مقابل الإسهام في إزاحة الإخوان، وأصبحت قيادة المرحلة الانتقالية تواجه تحديات القادم وسط موجهات إرهاب متتالية ومتنوعة وليس لها ظهيرا غير الشعب الذي يستطيع أن يقاوم ويصبر ويصمد. إن وجد خطابا سياسيا صادقا وقيادة تملك شجاعة المواجهة والحسم وتكشف انتماءها الاجتماعي للشعب، عندها الشعب خاصية الأمة المصرية المميزة لمصر متجاوزاً حالة التشرذم السياسي.الكلام لا يُنبِتُ في الواقع شيئا غير طنين أجوف، والعدم لا ينتج غير العدم.