17 سبتمبر 2025

تسجيل

تأملات في ميزانية سلطنة عمان لعام 2012

27 نوفمبر 2011

تظهر الأرقام الأولية لميزانية عمان للسنة المالية 2012 رغبة السلطات في تعزيز النفقات العامة لكن ليس على حساب العجز المالي المتوقع. بل تتميز ميزانية 2012 بتبني السلطات رقما غير محافظا نسبيا لمتوسط سعر النفط وبالتالي إفساح المجال أمام تعزيز الإيرادات النفطية ما يعد تغييرا في السياسة المالية العامة للسلطنة. الرقم المفترض للسنة المالية 2012 عبارة عن 75 دولارا للبرميل مقارنة مع 58 دولارا للبرميل لميزانية العام 2011 فضلا 50 دولارا للبرميل في 2010 و45 دولارا للبرميل في 2009. حقيقة القول، التغيير له ما يبرره على أرض الواقع بالنظر لبقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية حيث بقيت فوق حاجز 100 دولار للبرميل لمدة طويلة نسبيا. في التفاصيل، تبلغ قيمة النفقات المخصصة للعام 2012 تحديدا 26 مليار دولار أي الأعلى في تاريخ السلطنة. بالمقارنة، تم إعداد ميزانية 2011 بمصروفات قدرها 21 مليار دولار لكن الرقم النهائي مرشح بأن يرتفع إلى 24 مليار دولار. ومرد هذا التطور اللافت هو رفع مستوى النفقات العامة بغية التعامل مع تداعيات الأحدث الأمنية والسياسية والاجتماعية التي جربتها السلطنة في الربع الأول من 2011 في إطار الربيع العربي. وتضمنت الخطوات تحقيق بعض المطالبات الشعبية من قبيل مواجهة البطالة في أوساط الشباب وتحسين رواتب المتقاعدين. وقد شملت الردود الفعل الرسمية إقرار حزمة مشاريع بقيمة 2.6 مليار دولار لتغطية تكاليف الزيادة في المعاشات التقاعدية للمدنيين والعسكريين فضلا عن صرف علاوة غلاء إضافة إلى رفع مخصصات طلاب الكليات والمعاهد والمراكز الحكومية.من جهة أخرى، قدرت الحكومة إيرادات السنة المالية 2012 بنحو 22.9 مليار دولار أي أكثر بكثير من الدخل الأصلي للعام 2011 أي 18.9 مليار دولار. وكما أشرنا سلفا، يعود السبب بشكل جزئي لتبني متوسط مرتفع نسبيا وتحديدا 75 دولارا مقابل 58 دولارا للبرميل في 2012 و2011 على التوالي. لكن هناك سبب آخر وراء الزيادة في دخل الخزانة العامة ألا وهو ارتفاع متوسط إنتاج النفط إلى 920 ألف برميل يوميا في 2012 مقارنة مع 878 ألف برميل يوميا في 2011. وتأتي هذه الزيادة المستمرة كثمرة للجهود المبذولة لتعزيز الإنتاج النفطي وتتويجا لمنح امتياز في 2005 لتحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال لزيادة إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يوميا إلى150 ألفا يوميا في غضون خمس سنوات عن طريق استثمار مبلغ قدره ملياري دولار. من جملة اللافتة، تتميز السلطنة بأنها ليست عضوا في منظمة أوبك وبالتالي غير مطالبة الالتزام بحصص محددة للإنتاج. لكن يعرف عن عمان تحاشي التصادم مع توجهات أوبك استمرارا للنهج الاقتصادي المحافظ للسلطنة. وفي كل الأحوال، نعتقد بأن العجز المتوقع وقدره 3.1 مليار دولار في حدود السيطرة رغم أنه يشكل نحو 13 في المائة من حجم الإيرادات المقدرة وأكثر من 4 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. ويعتقد بأن نقطة الاعتدال في ميزانية عمان للعام 2012 هي 88 دولارا للبرميل، صحيح أرفع من المتوسط المفترض لكنه أقل من الأسعار السائدة في الأسواق الدولية. مؤكدا، يمكن معالجة العجز في حال حدوثه عن طريق السحب من الاحتياطي العام والذي تعزز في السنوات القليلة الماضية أي خلال فترة ارتفاع أسعار النفط. ويتمثل الخيار الآخر بالاستفادة من أدوات الدين العام طالما بقيت معدلات الفائدة عند مستوياتها المتدنية تاريخيا. بل يوجد توجه بالذهاب لأسواق المال قبل نهاية 2011 بهدف استصدار سندات بقيمة 390 دولارا بغية الحصول على التمويل بتنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية. وفي أسوأ الأحوال، لا بأس بوجود عجز محدود وفي نطاق السيطرة بشرط تعزيز النفقات العامة بقصد تحقيق عدة أهداف اقتصادية منها تسجيل نمو متميز للناتج المحلي الإجمالي وبالتالي المساعدة في إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. لا تقل نسبة البطالة في عمان عن 10 في المائة بل مرشحة للنمو في ظل الإحصاءات الديمغرافية والتي تؤكد بأن 43 في المائة من السكان تقل أعمارهم عن 15 سنة. ويتطلب القضاء على هذه الظاهرة تعزيز البيئة التجارية في البلاد عبر تعزيز النفقات العامة وبالتالي تشجيع المستثمرين المحليين والدوليين بالاستثمار في الفرص المتاحة وعليه إيجاد فرص عمل جديدة في البلاد. حقيقة القول، تعتبر الميزانية العامة حيوية في عمان كونها تمثل نحو ثلث الناتج المحلي الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة وبالتالي تلعب دورا حيويا بالنسبة لمتغيرات النمو والثقة. وعلى هذا الأساس، من شأن رفع مستوى النفقات العامة تشجيع مستثمري القطاع الخاص لتبني خطوات مشابهة. كما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، يتطلع القطاع الخاص من القطاع العام لعب دور القيادة خصوصا وقت الأزمات المالية. كما تتناسب الزيادة في النفقات مع متطلبات التكيف مع التداعيات السلبية لأزمة اليورو في الوقت الحاضر الأمر الذي يتطلب زيادة النفقات بهدف الحفاظ على ديمومة الاقتصاد الوطني. ختاما، يتوقع عدم اصطدام مسألة زيادة المصروفات بمعضلة التضخم بسبب تراجع ظاهرة الأسعار بشكل عام. بالمقابل، كان التضخم العدو الاقتصادي الأبرز حتى النصف الأول من العام 2008 أي قبل بروز الأزمة المالية والتي بدورها غيرت نوعية التحديات حيث أصبح التركيز على تعزيز النفقات العامة. باختصار، الظروف مهيأة بشكل نوعي للسلطات في عمان لتعزيز النفقات العامة لمواجهة بعض التحديات الجوهرية منها تعزيز فرص إيجاد وظائف تتناسب وتطلعات العمالة الوطنية الداخلة لسوق العمل. طبعا، تأتي الزيادة في النفقات في ظل شبه غياب التضخم ما يعني بأن الظروف مهيأة بشكل خاص.