24 سبتمبر 2025

تسجيل

خطاب صاحب السمو وثيقة تحدد ملامح دولة القانون والمؤسسات

27 أكتوبر 2021

يأتي افتتاح دورة الانعقاد السنوي الخمسين لمجلس الشورى، وهو أول مجلس منتخب ليضع الأساس الراسخ لدولة القانون والمؤسسات والمشاركة في صنع المستقبل، على أسس من التخطيط السليم والمدروس لبناء قطر الحاضر والمستقبل. وقد وجه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى مجلس الشورى، معتبراً ذلك يمثل لحظات تاريخية نشهد فيها اكتمال المؤسسات التي نص عليها الدستور بإنشاء السلطة التشريعية المنتخبة إلى جـانـب السلـطتـين التنفيـذيـة والقضائيـة. ويمثل خطاب سمو الأمير وثيقة سياسية وإستراتيجية تحمل رؤى عميقة وخططا بناءة لكافة مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وقطاعات المجتمع المنتجة، حيث حدد الخطاب السياسات الحكيمة التي تحقق الرفاهية لأهل قطر جميعاً في بيئة معافاة وقادرة على الإنتاج المستدام والتطور وتحقيق الرفاهية والتنمية والالتزام بالمؤسسية وحكم القانون، ورسم الخطاب خطى المستقبل المنشود للشباب القطري لاختيار الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى الريادة والنجاح ومواكبة التطور وتحقيق أعلى معدلات الإنتاج. وحوى خطاب سمو الأمير مؤشرات مهمة تضع النقاط على الحروف حول حقوق المواطنة، مشيراً إلى أنها ليست مسألة قانونية فحسب، بل مسألة حضارية قبل ذلك، ومسألة ولاء وانتماء، ومسألة واجبات وليست حقوقا فقط. وهذا لا يتطلب عملاً تشريعياً فحسب، بل أيضاً اجتماعياً وتربوياً مكثفاً، ولا سيما في مكافحة تغليب العصبيات على الصالح العام أو على الولاء للوطن والوحدة الوطنية. وهو الجانب السلبي في القبلية الذي تفاجأنا جميعاً مؤخراً حين ذكرتنا بوجوده بعض تجلياته السلبية. وعلى الرغم من أن مجتمعنا الواعي تجاوزها بسرعـة، لا يمكننـا تجاهـل الـداء لمجـرد اختفـاء أعراضـه. وأكد سمو الأمير أن القبيلة والعائلة الممتدة والأسرة جميعها من مكونات مجتمعنا التي نعتز بها، ومن أركان التعاضد والتكافل فيه، ولها جوانب إيجابية لا حصر لها، أما القبلية والعصبيات البغيضة على أنواعها، فيمكن أن يعبث بها، وأن تسخر للهدم وإفساد الوحدة الوطنية، وأن تستخدم غطاءً لعدم القيام بالواجبات وتعويضاً عن عدم الكفاءة. وهـو مـا لـم نقبـل بـه، ولـن نسمح به فـي المستقبـل أيضـاً. وعدد الخطاب النجاحات التي حققتها دولة قطر في المرحلة السابقة في مجال الأمن الغذائي، وخطت الدولة خطوات كبيرة نحو الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع الغذائية نتيجة للمبادرات التي تقوم بها الدولة لدعم إنتاج هذه السلع وتسويقها. وفي مجال التنويع الاقتصادي، أجريت التعديلات التشريعية لتسهيل المعاملات التجارية، وتعزيز المنافسة، وحماية المستهلك، وتشجيع الاستثمار الصناعي، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالسماح للمستثمرين الأجانب بتملك 100% من رأس مال بعض الشركات، ودعم تنافسية المنتجات الوطنية. وارتفعت مساهمة الصناعات المحلية إلى المرتبة الرابعة في الناتج المحلي الإجمالي. وفي مجال القطاع المالي والمصرفي، ورغم الهزات العالمية والإقليمية في السنوات الماضية، فقد أظهر هذا القطاع تماسكاً في مواجهتها. وتمكن مصرف قطر المركزي من الحفاظ على نمو الاحتياطيات الدولية، والمحافظة على سعر صرف الريال القطري. وحافظت قطر على ترتيبها الائتماني المرتفع لدى المؤسسات الائتمانية العالمية وعلى النظرة المستقبلية المـستـقـرة لاقتصـادهـا. ومع كل هذه النجاحات تظل الطموحات قائمة لتحقيق المزيد من المشروعات والمبادرات بتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، وإعداد الإستراتيجية الوطنية الثالثة لمدة خمس سنوات. وحدد سمو الأمير، الأولويات في ضوء الاحتياجات الملحة للدولة، داعياً جميع الجهات المعنية لإعداد إستراتيجياتها القطاعية بالاستفادة من المرحلة السابقة بإخفاقاتها ونجاحاتها. ووجه سمو الأمير رسائل مهمة تحقق النجاح في المستقبل، فدعا إلى الاهتمام بالخبرة والمعرفة التي تتراكم ضمن المؤسسات. وأهمية مأسسة العمل، وعدم شخصنته. فلا تنشأ معرفة من تجاهل ذاكرة المؤسسة والبدء من جديد في كل مـرة مع تغـير الأشخـاص. ونوه سمو الأمير إلى مهام كبرى تنتظر الجميع متعلقة بالتنمية البشرية، وكل ما يرتبط بالثروة الحقيقية في أي بلـد، وهـو الإنسـان. فلا يمكن فصل أية رؤية أو إستراتيجية وطنية عن هذه القضية، ولا الخوض في نجاحها أو فشلها دون التطرق بكل جدية إلى قضايا قيمية متعلقة بالهوية والانتماء، والالتزام بأخلاق العمل، وشعور المواطن بواجباته ومسؤولياته تجاه أسرته وجيرانه والمؤسسة التي يعمل فيها والمجتمع بشكل عـام. وحذر سمو الأمير من الاستخفاف بالجوانب غير المادية في الحياة، وعدم تقدير العمل المنتج، وعدم تمتع الفرد بما يتوافر لديه لأنه منشغل دائماً بطلب المزيد من الاستهلاك، واستسهال الاستدانة لأغراض آنية عابرة وغير ضرورية، والاتكالية المبالغ فيهـا على الدولـة، لأن من شأن هذه السلبيات أن تهدد ما أنجزناه إذا لم تواجه بتعميق قيم المواطنة والمسؤولية المجتمعية. وحدد سمو الأمير متطلبات مونديال قطر 2022 في ظل اكتمال الاستعدادات لهذه البطولة وهي مناسبة كبرى ليس فقط لتعزيز مكانة الدولة عالمياً وتعزيز التواصل والتعاون بين الشعوب وإظهار طاقات قطر التنظيمية وبناها التحتية المتطورة وقدراتها على مستوى الأمن، بل أيضاً لإظهار انفتاح الشعب القطري المضياف وتسامحه، وهي قيم نتميز بها هنا في قطر، وأيضاً لإظهار الوجه الحقيقي الناصع لشعوب الخليج والعرب عمومًا. واستعرض سمو الأمير مبادئ قطر الراسخة فيما يتعلق بالعدالة في العلاقات الدولية، ومن أننا جزء من العالمين العربي والإسلامي، إذ لا نتنكر لهويتنا. كما أن الصناعة والتصدير المرتبطين بالطاقة، والاستثمارات في الخارج لأغراض تنويع مصادر الدخل ولصالح الأجيال القادمة وغيرها، هي مكونات رئيسية في سياستنا الخارجية. وقد عملنا على التوصل إلى علاقات جيدة مع جميع دول العالم، مع التشديد على تحقيق تفاهم إستراتيجي طويل المدى مع الحلفاء على المستويين الإقليمي والدولي. ولا نسعى في ذلك إلى التنافس مع أحد ولا إلى محاكاة أحد، بل إلى شق طريقنا الخاص بالموازنة بين مبادئنا الراسخة وحدود مقدراتنا ومصالح شعبنا وشعوب منطقتنا. لقد جاء خطاب حضرة صاحب السمو ملبياً لتطلعات الناخبين وطموحات أعضاء مجلس الشورى المنتخب ومواكباً لآمال الجهاز التنفيذي الذي ينتظر هذه الموجهات البناءة والإستراتيجية الواضحة لينطلق الى آفاق واعدة في البناء والتطور والاستمرار في النجاحات التي حققتها دولة قطر في العديد من المعايير العالمية التنافسية التي تتطلب الإرادة والرغبة والثقة في النفس وتحديد الهدف.