14 سبتمبر 2025

تسجيل

حين تتغير الكلمات وتتبدل المعاني

27 أكتوبر 2015

وجودنا على ظهر هذه الحياة يجعلنا نتعرض للكثير بين الحين والآخر، منه ما نقابله كمتفرجين لا حق لنا بفعل أي شيء سوى التفرج والتناغم مع فصوله ومشاهده بتعبيرات صادقة ولكنها غير قادرة على مغادرة مكانها (وإن كانت تسعى للتغيير، الذي لن يكون من أجلها إلا منها فقط)، أو كممثلين نعانق الخشبة بأداء يُعبر عنا وندرك نجاحه متى عبر حدودها تلك الخشبة؛ ليصل إلى المتفرجين، الذين سبق لنا وأن كنا مكانهم، وكان منا سابقاً ما سيكون منهم لاحقاً، ألا وهو التأثر، الذي سيأتي مُطابقاً لحجم كل ما يعُرض علينا ومدى تأثيره فينا (في أحسن الحالات)، غير أنه ذاك الذي سيظل حيث هو، أي ضمن حدود (التأثر) بما يحدث فقط، فهو ما سيصبح عاجزاً عن ارتجال المزيد من المشاعر وذلك؛ لأنه ما سيأتي كردة فعل لموقف (ما) لن يأتي بما يمكن بأن يأتي به الحدث الذي يحدث لنا ومعنا، وحين يكون الحديث عن هذا الأخير، فلاشك أن وقع ما سيكون أقوى بكثير من أن تصفه الكلمات، فهو ما يقع على رأس صاحبه، الذي يدركه على خير وجه، لن يدرك خيره أو شره سواه. إن ما قد سبق لي وإن تحدثت عنه يشمل الكثير من الأحداث التي تحدث في الداخل بشكل عام، ولكن ما كنت ولازلت أرمي إليه وشكل خاص هو الحديث عن الألم، (نعم) الألم الذي أعده من ممتلكات النفس، التي تدرك ما قد ألم بها، ومن الطبيعي بألا يدركه سواها حتى وإن بلغ النخاع، وتأثرنا بما يحصل بشكلٍ أو بآخر، ولدرجة ستهتز معها صورة الحياة وتضطرب؛ لندرك بأن المرء منا لا يمكن بأن يشعر إلا بما يؤلمه، وهو ما قد يبدأ بوخزٍ بسيط سيتمادى مع مرور الوقت؛ ليتجاوز السطح حتى يصل للأعماق، فيجبره على إظهار معالم تألمه بكل ما يحدث له، ويحتاج لردة فعل من الآخرين، قد تبلغ أعلى مراحل التعاطف، ولكنها لن تتمكن من التقدم بالمزيد، ليس لعجزٍ تعاني منه، ولكن لأن (الألم) يصبح كحق لا حق لآخر بإدراكه كما يجب سواه المعني بالأمر، وهو ما يجعلنا نبدو وكأننا لا نتأثر بما يحدث حتى وإن تأثرنا فعلاً، ويبقى السؤال: هل يؤلمك تألم غيرك ومقابلته بردة فعل قد تبدو بسيطة أمام حجم ألمه؟ أم يؤلمك أن تتألم وتجد من يقابل ألمك بقلة اهتمام منه لا تُعبر عن مدى تأثره بما يحدث لك؟ مما لاشك فيه أن إجابة ما قد سبق لي وأن طرحته من سؤال تعتمد عليك وحدك، وتعتمد على تركيبتك التي تُميزك، ويمكن بأن تأخذك إلى مرتبة عالية لن تبلغها سواها النفس الراقية جداً، التي تدرك أن الألم نتيجة حتمية لتكالب جملة من الظروف تتحد في توقيت (ما)؛ كي تختبر صبرك، وتمتحن قدراتك التي تعتمد عليها؛ كي تكون ما أنت عليه، وهي تلك التي ستُحدد لك مرتبتك بين الناس، بل وستكشف لك مكانتك بينهم، مما يعني أنك المعني، وأن الأمر لا يعني سواك؛ لذا لا تكتفي بذرف الدموع، وانتظار من يمسحها لك، وذلك بالإعلان عن التزامك بدور (الضحية) كل الوقت، ولكن ساند حاجاتك، وجاهد ضعفك، وانهض قبل أن يفوت الأوان؛ لتلحق بحقوقك، بدلاً من أن تتركها؛ كي تبرد وحدها على طبق لربما يهرع إليه غيرك؛ لينتزعه منك، فيضيع حقك منه، وتظل حيث أنت مع حسراتك تلك، التي لن تُقدم ولكنها ودون شك ستؤخرك عن حقك الذي يستحقك قبل أن تستحقه. هناك الكثير من الظلم الواقع على البشر في هذه الحياة، وهناك الكثير من الأفعال التي تأتي كردود أفعال عن ذاك الظلم، وهي تلك التي لا تأتي متساوية البتة، بل مختلفة بحسب ما تجود به كل نفس، وهو كل ما لا يعني أن الأمر يتطلب مواجهة عنيفة على من تسبب لنا بكل ما نعاني منه؛ كي تُسترد الحقوق وبأي شكل كان، ولكن الابتعاد عن ذاك الموقع؛ للنظر في الأمر بعين متفحصة، وإدراك ما يحدث والتجاوب معه بعقول واعية، لا بقلوب تبحث عن حجج واهية، لن تأخذنا وفي نهاية المطاف حيث نريد، بل حيث لا يليق بنا بأن نكون، ولاشك بأننا سنندم عليه متى وصلنا إليه؛ بسبب ألم الظلم، الذي تعرضنا له، وسمحنا لغضبنا بأن يعصب العيون فلا نرى ما يستحق منا رؤيته؛ لمعالجته على خير وجه سيأتي لنا بكل الخير وإن كان ذلك في وقت لاحق، سيكون لنا بإذن الله تعالى، متى تحول الألم إلى أمل بالقوي العزيز، الذي سيقوى معه ضعفنا، وسندرك العزة بإذنه إن شاء لنا ذلك. وأخيراً: وحتى يحين ذاك الحين، ويكون لنا ما نريد بأن يكون، فلنسأل الله التوفيق للجميع (اللهم آمين).