17 سبتمبر 2025
تسجيلمع اقتراب موعد الذكرى الثالثة لانطلاق الربيع العربي نرى صواب تسليط الأضواء على بعض الأسباب الاقتصادية لهذا الحدث التاريخي المفصلي. ويمكن الزعم بأنه من غير العدالة التغاضي عن بعض المسائل الاقتصادية التي أسهمت في إشعال الأحداث في تونس في شهر ديسمبر من العام 2010 ومنها إلى مناطق أخرى في العالم العربي. بل لعب الاقتصاد غير الرسمي في وضع حجر الأساس للربيع العربي من خلال تصرف محمد البوعزيزي عبر حرق نفسه احتجاجا على نوعية المعاملة السيئة التي تعرض لها من موظفة تعمل في البلدية. فقد قامت الموظفة الرسمية بإحراج البوعزيزي بشكل علني واستفزازي بحجة مخالفته للقانون من خلال البيع في مكان عام بطريقة غير شرعية. وقد اشتعل الشارع التونسي غضبا على نظام بن علي من خلال اتهامه بالتسبب في الضائقة المعيشية للمواطنين، إذ وصل الحال بقيام أحدهم بحرق نفسه ما أدى في نهاية المطاف إلى وفاته. وعليه انتهى حكم الرئيس المخلوع في غضون أيام لا أكثر بعد بقائه في الحكم مدة 23 عاما. وكان الاقتصاد التونسي حينه يعاني من بطالة مرتفعة تبلغ 14 في المائة على أقل تقدير. ويضاف لذلك البطالة المقنعة حيث يعمل عدد غير قليل من أصحاب الكفاءات في وظائف تقل عن مستوياتهم العلمية. من جهة أخرى، أسهمت بعض العوامل الاقتصادية المستعصية في خروج الناس في الشارع المصري عبر ميدان التحرير للإطاحة بحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. فقد عانى الاقتصاد المصري عشية سقوط مبارك من الثلاثي الخطير أي البطالة والتضخم والفقر من درجتين وليس درجة واحدة. وبالنسبة لسورية، فهناك مسألة البطالة والتي تراوحت في حدود 9 في المائة حسب الأرقام الرسمية. مؤكدا، كان من الممكن أن تكون نسبة البطالة أعلى بكثير لولا توجه قطاع كبير من الشعب السوري نحو ممارسة التجارة بدل العمل في الدوائر الرسمية. فالانشغال في العمل التجاري من صفات أهل الشام كما جاء في حكاية رحلة الشتاء والصيف. أيضا، عاش قرابة 12 في المائة من السكان في سورية قبل الأزمة دون خط الفقر وربما كانت المعضلة أكبر لولا ثقافة التكاتف الاجتماعي وهي من الصفات الإيجابية المنتشرة في سورية والتي بدورها تساهم في التكيف مع المحنة التي يمر بها الشعب السوري في الوقت الحاضر. كما يعانى الاقتصاد السوري من معضلة هيكلية منذ أمد بعيد تتمثل في العجز في المالية العامة الذي يشكل كاهلا على الحكومة وتجعلها في بحث دائم عن مصادر إيرادات مختلفة. فقد بلغت قيمة العجز في آخر ميزانية قبل اندلاع الأزمة نحو 20 في المائة ما يعني الحاجة للاعتماد على مساعدات من أطراف أخرى لتعزيز النفقات العامة. وبالنسبة لليمن، فما زال اقتصاده يعاني من ثنائي البطالة والفقر واللتان تبلغان 35 في المائة و45 في المائة على التوالي. بل من المرشح بقاء المعضلة لأسباب ديمغرافية على أقل تقدير نظرا لأن 43 في المائة من السكان هم دون سن 15 ما يعني توقع دخول أعداد كبيرة لسوق العمل بحثا عن وظائف مناسبة، كل ذلك في ظل محدودية فرص العمل. وفيما يخص ليبيا، تركز غضب الناس على سوء استخدام الثروة في بلد نفطي، بل يعد النفط الليبي من أرقى الأنواع كما هو مشهور. فقد اشتهر العقيد القذافي بتبذير أموال ضخمة على مشاريعه السياسية المتنوعة خصوصا في إفريقيا على حساب الصرف على التنمية في بلاده. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد عمدت السلطات في عمان إلى معالجة مطالب المتظاهرين والذي اختاروا من منطقة صحار الصناعية منطلقا لحركتهم للإيحاء بوجود مشكلة اقتصادية. وشملت الخطة إيجاد أكثر من 56 ألف فرصة عمل موزعة ما بين 36 ألف في القطاع العام و20 ألف في القطاع الخاص. وشملت حزمة المشاريع بقيمة 2.6 مليار دولار تقديم مبلغ قدره 390 دولار شهريا لفترة ثلاثة شهور متتالية قابلة للتمديد للمواطنين الباحثين بشكل نشط عن العمل. وبالنسبة للبحرين، فقد قرر المسؤولون تركيز جل نشاطهم على معالجة تحدي إيجاد مساكن مناسبة للمواطنين وذلك في إطار التصدي لجانب من المطالب الشعبية. وفي هذا الإطار، قررت أربع دول أعضاء في مجلس التعاون أي السعودية والإمارات والكويت وقطر وبصورة جماعية تقديم مساعدة مالية بقيمة 10 مليار دولار لكل من البحرين وعمان. على صعيد آخر، جاء في تقرير اقتصادي حديث بأن الخسائر الاقتصادية لسبع دول مرتبطة بتداعيات الربيع العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبارة عن 800 مليار دولار حتى نهاية العام 2014. ترتبط الخسائر بتدني مستوى الناتج المحلي الإجمالي وتقلص إيرادات الخزانة وتراجع الاستثمارات الممكنة في كل من مصر وتونس وليبيا وسورية والأردن ولبنان والبحرين. في المقابل، تميزت دول مجلس التعاون الخليجي الخليجية باستثناء البحرين وعمان بالاستفادة من بعض تداعيات الربيع العربي. والإشارة هنا إلى نجاح دول مثل السعودية في تعويض أسواق النفط العالمية من تراجع إنتاج النفط الليبي لفترة زمنية خلال الثورة والحال كذلك لحد ما سورية. فقد أسهم ثنائي زيادة الإنتاج النفطي من جهة وبقاء أسعار النفط مرتفعة من جهة أخرى خصوصا مقارنة مع الرقم المفترض عند إعداد ميزانية 2011 إلى ارتفاع حجم الإيرادات لأكثر من الضعف من 144 مليار دولار إلى حوالي 296 مليار دولار. بدورها، وفرت حالة زيادة دخل الخزانة الفرصة لرفع مستوى النفقات العامة من 155 مليار دولار إلى 214 مليار دولار في نهاية المطاف. في المحصلة، تؤكد تجربة الربيع العربي بأنه ليس من المناسب للسلطات السماح بتفاقم التحديات الاقتصادية لفترة مطولة دون إيجاد حلول لها.