14 سبتمبر 2025

تسجيل

حكاية التوافق والاتفاق

27 أغسطس 2016

قبل أن يبدأ قلمي بسرد حكاية اليوم من خلال مقال (الزاوية الثالثة) الذي يطل عليكم صباح كل سبت؛ محملاً بالكثير مما يسعى إلى إحداث التغيير المطلوب في حياة الجميع، فلابد وأن أذكركم بأن العلاقة التي تربطني بكم تعتمد على المنفعة المتبادلة؛ وعليه فإن كل ما يخرج مني ويكون لكم يهمني بقدر ذاك الذي يخرج منكم ويكون لي وفيه من الفائدة الكثير؛ ولأن الأمر يسير على هذا النهج فلقد توجب علي ذكر التالي: بعد مقالي الأخير الذي طل عليكم من خلال هذه الصفحة وردتني بعض الردود حول الموضوع الذي طرحته حينها (الصداقات الحقيقية)، وكان منها (تلك الردود) ما حمل في جوفه الشكر والتقدير، وتساؤلات عديدة حول إمكانية تواجد شخصيات على أرض الواقع تتمتع بتلك السمات التي تُميزها وتجعل لها قيمة عظيمة، وبين إعجاب صاحب الرسالة بتلك السمات المُذكورة في الصفحة ومن خلال المقال من جهة، وغيابها عن أرض الواقع من جهة أخرى فلقد ارتطم الأخ الفاضل –على حد قوله- بحقيقة مؤلمة وهي أن ما قد كُتب هو مجرد وهم لا حق له بأن يكون، والدليل أن الحياة تخلو من الشخصيات التي تتمتع بذات السمات، التي تستطيع منح غيرها الأمان الذي تمت الإشارة إليه في المقال، وبدت غائبة عنه فعلاً، وإلا فأين يمكنه العثور عليها؟ إن ما قررت طرحه اليوم ليس موجهاً لذاك الأخ فحسب، ولكن لكل من يتابع هذه الصفحة، فالفائدة من حق الجميع؛ لذا إليكم التالي: الحياة هي ذاتها هنا وهناك، والاختلاف الذي يكون منها يعتمد على الزاوية التي تحتضن وجودنا، وتمنحنا رؤية حصرية خاصة بها فحسب؛ ليسكب كل واحد منا ما فيه، فتأتي الردود من بعد ذلك مختلفة جداً بحسب ما يراه ويكون صحيحاً ومعتمداً في صحته على زاويته التي تُمثله وتغطي احد جوانب الحقيقة فقط، وليس كل ما فيها، وهو ما يصل بنا إلى أماكن مختلفة تُكسبنا صبغة مختلفة عن غيرنا، وهو ما لا يهم بتاتاً طالما أننا ندرك شيئاً من الحقيقة، ولكن ما يهم فعلاً هو أن نُدرك أننا لا نعرف سوى القليل وهناك الكثير مما يغيب عنا؛ لأننا نراقب من زاوية مختلفة متى غيرناها أدركنا المزيد مما لم نكن لندركه من قبل، وسنتمكن من اطلاق أحكامنا بشكلٍ صحيح بعدها، والمعروف أن ما نطلقه من أحكام يعتمد على ما نراه وعلى الزاوية التي تخصنا، وهو الوضع ذاته مع النماذج التي تعترضنا في الحياة ويكون منها ما يُسعدنا وما يُتعسنا، والخلاصة أن ما تراه يا عزيزي القارئ هو ما تريد أن تراه فقط، وليس ما يُفرض عليك؛ لذا وقبل أن تؤكد على حقيقة أن النماذج الجيدة غائبة عن أرض الواقع تأكد من صحة تلك المعلومة بتغيير زاويتك وذلك بالبحث عن زاوية أخرى يمكنك منها معرفة ما يدور وفاتك منه الكثير، وحتى تفعل أنت ومن يعاني من ذات المشكلة سننتقل للجزء الثاني من مقال اليوم. لا تعتمد الحياة الزوجية على طرف دون آخر؛ لأنها وإن فعلت فلن تتمكن من السير في الاتجاه الصحيح وبخطوات سليمة وثابتة تُمكنها من الوصول إلى بر الأمان وحيث تريد، حتى تلتزم النفوس بما عليها من مهام تبدأ بنبذ الرغبات الشخصية والمصالح الخاصة، وتتفوق عليها عن طريق فتح الباب للتكاتف الجاد الذي يفرض حالة من التلاحم الحقيقي القادر على إدارة الأمور على خير وجه، فمعظم الخلافات القائمة في البيوت تعتمد على عنصر غياب التلاحم الحقيقي، الذي تنصهر معه المصالح الخاصة؛ لتصبح كل الأشياء (ومن بعد) مشتركة حتى الهموم، التي وإن صارت كذلك فإن إمكانية إيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها –وبسرعة فائقة- تصبح أقوى بكثير، فالطرف المُقصر وإن شعر بشيء من التقصير وهو يغتال وجوده لن يظل كذلك بوجود من يُشاركه، وبغياب ما يمكن بأن يقف أمام تلك المُشاركة الناجمة عن التلاحم، الذي أتحدث عنه، وتحتاجه الحياة الزوجية في كل زاوية من زواياها، التي وإن غاب عنها ولأي سبب من الأسباب فإن الحياة ستكون مجرد كذبة لن تعيش طويلاً، وسرعان ما ستبتلع لحظاتها؛ لينتهي كل شيء نرغب له بـ (الامتداد)، الذي سنحصد أثره على المدى القريب والبعيد أيضاً متى سارت الأمور كما يجب، وهو ما لا يعتمد إلا على أصحاب الشأن، الذين يدركون متى يجدر بهم فعل ماذا؟ الحياة الزوجية رقعة لها خصوصيتها؛ لذا ما يحدث فيها يظل هناك، ولا قدرة لأي أحد على معرفة ما يدور في الداخل، أو الكيفية التي تسمح للحياة بأن تستمر، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع قد خضع لدراسات عديدة إلا أن الحلول الناجعة والقادرة على تغيير الحياة للأفضل تعتمد على خلطات سرية جداً لا تكون إلا من بعد التجارب الحقيقية ذات المحاولات الجادة والقائمة على سياسة النفس الطويل، ويجدر بنا تكبد عناء البحث عنها؛ لأخذ العبرة منها، واعتمادها كمرجع نرجع إليه بين الحين والآخر، ويمكننا التعرف على القليل منها من خلال ما قد وصلنا منكم، وعليه إليكم ما هو لكم أصلاً. من همسات الزاوية أحياناً تبدو عقدة الشعور بالذنب حيال أمر سبق لك وأن أخطأت فيه بشكلٍ أو بآخر خانقة جداً، ومزعجة جداً جداً؛ لأنها تلازمك كل الوقت؛ لتُذكرك بما كان منك دون أن تفسح الطريق أمام مشروع نسيان كل ما حدث وتسمح له بالعبور؛ لذا تشعر وكأنك في نفس المكان وإن رحلت بك الخطوات نحو البعيد، وعلى الرغم من وقع تنبيهها المزعج والذي يكون منها ويبدو (قاسياً) تحديداً في المواضع التي تتطلع إلى نسيانها بكل ما فيها من تفاصيل، إلا أن النتيجة التي تخرج بها من ذاك التنبيه -الذي يتحول لمنبه يسعى إلى إيقاظك فتبقى على اتصال بالعالم دون أن تنسى أنك منه وفيه- تكون أكثر من رائعة؛ لأنها تُذكرك متى نسيت، وتُقربك متى ابتعدت، والحق أن لتلك العقدة فائدة عظيمة ستفلح وتنجح بسببها حين تربطها بك وبشريك حياتك، الذي يحتاج إليك ولكنك تلتفت لأمور أخرى تحسبها أفضل وأهم، فتجد تلك العقدة وهي تُنبهك لذاك الآخر الذي يبحث فيك عن شريك يقاسمه الحياة ويعيش معه تفاصيلها كما يجب ويحب. وأخيراً تعلم معنى المُشاركة فهي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الزوجية المشتركة.