12 سبتمبر 2025

تسجيل

إنه الإنصاف

27 أغسطس 2014

الإنصاف هو استيفاء الحقوق لأربابها بأن تعطي غيرك من الحق مثل الذي تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال في الرضا والغضب مع من نحب ومع من نكره . وهو منهج قرآني حيث يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ويقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وقال الله مخاطبا نبيه داود {يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} . حتى مع الأعداء أمر الله بالإنصاف {إنما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . والإنصاف شعار الإسلام منذ بدايته يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: " حين جاء الإسلام كان إنصاف الضعفاء من الأقوياء أظهر شعائره وأول أهدافه، كذلك أنصف الفقراء من الأغنياء فقرر في أموال الأغنياء حقًا معلوما للسائل والمحروم، وأنصف اليتامى ممن يتولون أمرهم فقال سبحانه { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد المنصفين بحق داويت متئدا وداووا طفرة **** وأخف من بعض الدواء الداءأنصفت أهل الفقر من أهل الغنى **** فالكل في حق الحياة سواءفإذا سخوت بلغت بالجود المدى **** وفعلت ما لا تفعل الأنواءوإذا عفوت فقادرا ومقدرا **** لا يستهين بعفوك الجهلاءوإذا رحمت فأنت أم أو أب **** هذان في الدنيا هما الرحماءويتجسد الإنصاف في نهج النبي جليا واضحا في قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما كاتب كفارَ مكّة سِرًّا، يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل مَن أخذ الكتاب مِمّن خرج ليصل به إلى كفار مكة . ودعا حاطبًا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب، ما هذا ؟!))، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله! إني كنتُ امرأً مُلْصَقًا في قريش (وكان حليفاً لهم، ليس من أنفسهم)، وكان مِمّن معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم، فأحببتُ-إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتّخذَ فيهم يداً، يحمون بها قرابتي . ولم أفعلْه كُفْرًا، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((صدق)) . فقال عمر: دَعْني- يا رسول الله - أضربْ عُنُقَ هذا المنافق ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (( إنه قد شهد بدراً، وما يُدريك لعلّ الله اطَّلعَ على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم " ومع أن هذا هو المنهج إلا أننا وللأسف نجد ظاهرة الاجتراء والشطط في الحكم على الناس بغير حق أو بغير علم؛ أضحت منتشرة، حتى اتهم الأبرياء وخوّن الأمناء، وما ذلك إلا لغياب منهج الإنصاف، ولعلنا في المقال القادم نتحدث عن أسبابه وعلاجه بحول الله وقوته، نسأل الله أن يهدينا سبل الرشاد وأن يجنبنا الزلل وعدم الإنصاف. آمين