04 نوفمبر 2025
تسجيليشهد السعودي أداء مثيرا، مدعوما بأساسيات قوية وموارد مستدامة. هذا هو استنتاج صندوق النقد الدولي والذي اختتم مؤخرا مشاورات المادة الرابعة فضلا عن تقارير أخرى ذات صلة. من جملة الأمور، يتوقع صندوق النقد الدولي بأن يحقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، بعد التعديل لعامل التضخم، نموا بنسبة 4.6 بالمائة في عام 2014، مرتفعا عن نسبة 4 بالمائة والتي تم تسجيلها في 2013. يعزى هذا التطور الإيجابي لأسباب تشمل إنتاج النفط بمستويات قوية وثابتة، والإنفاق على مشاريع إسكانية للمواطنين وتنفيذ مشاريع رأسمالية والأهم من ذلك الأداء المميز للقطاع الخاص. يستفيد القطاع الخاص السعودي من القوة الاقتصادية للمملكة، حيث تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي 750 مليار دولار أي الأكبر بين الدول العربية قاطبة. كما يحصل القطاع الخاص على مزايا أخرى ترتبط بظاهرة الأنشطة المتصلة بموسم الحج السنوي والزوار للديار المقدسة على مدار السنة. يميل الحجاج للإنفاق على أي شيء وكل شيء الأمر الذي يفتح آفاقا واسعة للشركات الصناعية للمملكة.من جهة أخرى، لا يعاني الاقتصاد السعودي من ظاهرة التضخم بل يتوقع أن يبقى هامشيا أي أقل من 3 بالمائة بفضل عدم وجود نزعة ارتفاع لأسعار المواد الغذائية المستوردة. بالعودة للوراء، عانت دول مجلس التعاون الخليجي مما يعرف بمعضلة التضخم المستورد ما بين العامين 2007 و2008 في خضم الارتفاع التاريخي لأسعار النفط وما رافق ذلك من تداعيات شملت قيام الدول المستوردة للنفط برفع أسعار منتجاتها التصديرية كنوع من تعويض. ولحسن الحظ، لا تعاني جميع اقتصادات دول مجلس التعاون من ظاهرة التضخم في الوقت الحاضر.وفيما يتعلق بأساسيات الاقتصاد السعودي، تكفي الإشارة إلى أن السعودية تقود العالم في إنتاج النفط الخام من خلال ضخ 11.5 مليون برميل يوميا. يشار إلى أن أكبر ثلاث منتجين للنفط الخام عبارة عن السعودية وروسيا والولايات المتحدة والتي بدورها تسيطر على 13.1 بالمائة و12.0 بالمائة و10.8 بالمائة من إجمالي إنتاج النفط العالمي، على التوالي.فضلا عن النفط، تستحوذ المملكة على 4.4 بالمائة من الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعي على مستوى العالم، ما يعني حلولها في المرتبة الثالثة بين دول الشرق الأوسط بعد إيران وقطر. مصدر هذه البيانات الحيوية ليس غير تقرير إحصاءات الطاقة لعام 2014 الصادر من شركة بريتيش بتروليوم، والذي يعد مرجعا في هذا الصدد. حقيقة القول، يتمتع الاقتصاد السعودي بفوائض نوعية للموازنة العامة والحسابات الجارية. على سبيل المثال، تم تسجيل فائض قدره 103 مليارات دولار في السنة المالية 2012 وهو رقم قياسي وفقا للمعايير المحلية وخارجها. شكل الفائض الملحوظ 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.صحيح تراجع مستوى الفوائض المالية للموازنة العامة إلى 5.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 ويتوقع أن ينخفض إلى 2.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2014 وذلك وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. بيد أنه يسمح مشروع الاتحاد النقدي الخليجي بعجز مالي قدره 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي كل الأحوال، الحديث هنا عن مستوى فائض المالية العامة للسعودية.كما هناك فوائض الحساب الجاري، والمقدرة بنحو 22.4 بالمائة و17.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2012 و2013، على التوالي. حقيقة القول، لا يشكل التوجه نحو انخفاض الفوائض قلقا بل يعد مؤشرا على عزم السلطات السعودية بتخصص مبالغ كبيرة من المال لمشاريع البنية التحتية فضلا عن إنشاء مشاريع إسكانية للمواطنين ذوي الدخل المحدود. على صعيد آخر، وفي خطوة تستحق الثناء، استفادت السلطات السعودية من الإيرادات الإضافية للسنوات القليلة الماضية للحد من ديون القطاع العام المستحقة وصولا لنسبة 10 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني عمليا السيطرة على المديونية العامة بل يمكن الزعم القضاء على هذه الآفة. كل هذا في الوقت الذي يسمح فيه مشروع الاتحاد النقدي الخليجي بارتفاع الدين العام لحد 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.مما لا شك فيه، نجحت الخزينة السعودية في كسب مبالغ كبيرة من المال في السنوات القليلة الماضية على خلفية بقاء أسعار النفط مرتفعة إلى جانب الإنتاج القوي للنفط الخام. غني عن القول، لعبت المملكة دورا رئيسيا في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط الدولية جراء تشويش وتعطل الإنتاج في كل من ليبيا وسوريا بعض الشيء فضلا عن الحظر الغربي على توريد النفط الإيراني. وعلى هذا الأساس، بلغت إيرادات الخزانة العامة في السعودية في عام 2012 قرابة 330 مليار دولار بزيادة 143 مليار دولار عن الرقم المعتمد، ما يعد تطورا مثيرا واستثنائيا.يمكن الزعم بكل أريحية بأن الاقتصاد السعودي يخوض تجربة خاصة تتمثل في ثنائي انخفاض نسبة الدين العام من جهة وفوائض قوية للمالية العامة والحساب الجاري من جهة أخرى وهي من الحالات النادرة في الواقع الاقتصادي العالمي.وبالنظرة للأمام، يبدو أن الاقتصاد السعودي على موعد لإدخال متغير جديد في العملية التنموية من خلال السماح للمستثمرين الأجانب للاستثمار المباشر في سوق الأسهم المحلية ابتداء من النصف الأول من 2015 الأمر الذي سوف يفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد السعودي. التصور الموجود عبارة عن وجود رغبة لدى بعض المستثمرين الأجانب لتنفيذ معاملات تجارية في أكبر سوق في المنطقة، حيث تتجاوز قيمتها السوقية 530 مليار دولار. ويمكن القول إن هذا القرار جاء متأخرا لكن ليس متأخرا جدا كما يقال لكون العالم قرية. فمن شأن دخول مستثمرين دوليين وبصورة مباشرة للبورصة فتح مجالات جديدة لتنشيط الدورة الاقتصادية في المملكة المترامية الأطراف من خلال توفير مصادر جديدة للحصول على التمويل.