11 سبتمبر 2025
تسجيليقوم مبدأ الشرعية الجنائية على إباحة ثنائية التجريم والعقاب من قبل السلطة، وحصرها في نص تشريعي قاطع الدلال وجلي اللفظ. فكل ما هو مجرم فعله جنائيا، يجب أن ينص على ذلك، ويُنشر في الجريدة الرسمية حتى يتمكن العامة من العلم به. ولما كان مبدأ الشرعية يقوم على مبدأين: الأول، لا تكليف قبل ورود الشرع، والثاني، الأصل في الأفعال أنها مباحة، طالما لم يرد ذكرها في قانون عقابي، فتُجرم تلك الأفعال وترتبط بجزاء مادي حال. وكذلك انصرفت إرادة المشرع في الأفعال التي وردت في قانون رقم (9) لسنة 1987 في شأن مكافحة المخدرات. حيث تضمن القانون بجدول يسمى بجدول المخدرات، وهو متضمن ما هو محضور على العامة جلبه، أو استعماله، أو استيراده أو حيازته. وحسناً فعل المشرع، بتقنين تلك المواد، نشرها في الجريدة الرسمية حتى تكون حجة على الناس كافة في تجنبها حتى لا يقعوا تحت طائلة مواد التجريم. إلا أن هنالك مشاكل جمة تعتري قانون المخدرات، منها المادة رقم 33 من ذات القانون التي تنص (« يجوز «بقرار من وزير الصحة العامة» تعديل الجداول الملحقة بهذا القانون بالحذف أو الإضافة أو تغيير النسب الواردة فيها.»). والشاهد من الصياغة القانونية أن المشرع قد خول وزير الصحة بتعديل جدول المخدرات بالإضافة أو الحذف. أو بمعنى أخر، أن القرار الوزاري يضحى بمرتبة القانون في تأثيم وتجريم الأفعال التي هي من حصراً من اختصاص السلطة التشريع. كما إن إضافة مواد جديدة في جدول المخدرات بقرار وزاري هو إضافة لجناية جديدة دون الرجوع إلى مجلس الشورى كسلطة تشريع. فهل يجوز تجريم الأفعال بناء على قرار وزاري؟ إذ إن إضافة مادة في جدول المخدرات مفاده أنها تعد مجرمة وليس من المباح التعامل بها أو حيازتها. ما يدفعنا لإثارة هذا التساؤل هو نصوص الدستور القطري التي حصرت أفعال التجريم والعقاب حصراً في القانون وحدة دون عن اللائحة أو القرار الوزاري أو العرف. حيث تنص المادة 40 من الدستور القطري («لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون.»). وكلمة بقانون – أي أن الشارع لم يفوض للقرارات الوزارية أو الإدارية بتكملة جوانب تجريم الأفعال. فقد انصرفت إرادة الشارع بنحو ضيق للسلطة التنفيذية في بتجريم الأفعال وربطها بعقوبة. إذ إن الدستور انصرف بشكل إيجابي إلى حماية الحريات الشخصية للأفراد وإهدارها وذلك في إسناد التجريم والعقاب فقط للقانون وحده. وصياغة الشارع في الدستور إنما تبني فكرة الشرعية الجنائية بمعناها الدقيق مستبعدا تكملة جوانب التجريم لقرار وزاري أو إداري وهو بذلك يكفل – إلى حد ما – مبدأ الفصل بين السلطات. والشواهد على ذلك عديدة نذكر منها: أولا: إن المادة 121 من الدستور القطري تنص:(« يناط بمجلس الوزراء، بوصفه الهيئة التنفيذية العليا، إدارة جميع الشئون الداخلية والخارجية التي يختص بها وفقاً لهذا الدستور وأحكام القانون. ويتولى مجلس الوزراء بوجه خاص، الاختصاصات التالية: 2- اعتماد اللوائح والقرارات التي تعدها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، كل فيما يخصه، لتنفيذ القوانين بما يطابق أحكامها.») فالنص الدستوري بحد ذاته لم يفسح مجالاً للسلطة التنفيذية لإصدار القوانين، بل اقتصر فقط على اللوائح التنفيذية. فإذا كان الدستور لم يتبن مبدأ التفويض اللائحى، فلا يجوز للقوانين ما دون الدستور الافتئات على نص دستوري والأخذ بالتفويض اللائحي لجوانب التجريم والعقاب بعيدا عن القانون. إذ إن تكملة جوانب التجريم بقرار وزاري بعدياً عن رقابة السلطة التشريعية قد يمثل إهدارا لحريات الأفراد الدستورية. ثانيا: إن المشرع يدرك حقيقة مبدأ الشرعية الجنائية، ومدى خطورتها ودقتها على صيانة حقوق العامة. فنجد بأن المشرع في جدول قانون الأسلحة والذخائر رقم 14 لسنة 1999 لم يتبن مبدأ تكملة جوانب التجريم والعقاب بقرار وزاري. بل إن المشرع – لتعديل الجدول الثاني للأسلحة والذخائر - أصدر قانوناً لتعديل الجدول كما حدث في القانون رقم 2 لسنة 2001. الشاهد، أن البعض قد يتمسك بأن القانون يتسم بقليل من الجمود مما يصعب تعديله في المستقبل، لذلك فلا تثريب إن خول القانون، للوزير بتكملة جوانب التجريم نظرا لسرعة إصدار اقرارات الوزارية عن تعديل القوانين. بيد أننا لا نتحدث عن استثناء في هذه الحالة، وأية ذلك أن المشرع لم يجز أصلا للسلطة التنفيذية لجعل قراراتها الوزارية نصوصاً لتجريم الأفعال التي هي من اختصاص السلطة التشريعية، إلا في نطاق المخالفات فقط.