10 سبتمبر 2025

تسجيل

بين الرواية واللا.. رواية

27 يونيو 2018

كنتُ أقلبُ صفحات كتاب قديم بعنوان (فن الرواية) لـ كولن ولسون، والذي قرأتُه منذ زمنٍ بعيدٍ جداً، لتلفت نظري فقرةً في هذا الكتاب الشيّق. يقول ولسون: (في ربيع 1974م، كنت مرتبطاً بتدريس منهجٍ عن الكتابة الإبداعية في جامعة روجرز بكامدن في نيوجرسي، كان ذلك تحول جديد بالنسبة لي. إذ قمت قبل ثماني سنوات من ذلك التاريخ ببذل محاولة لتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تدريس تلك المادة، ولم يقتصرْ الأمرُ على ذلك، بل يتحتم عدم القيام بتدريسها، فقد شعرت أن المبدأ الأساسي للإبداع هو البقاء للأصلح. إذ أنّ الكتابة الإبداعية عمليةٌ شاقةٌ كالصعود إلى أعلى التل، حيث يتساقطُ الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كُتاباً جيدين. إنّ تشجيع أولئك الذين سيصبحون كُتاباً في المستقبل أشبه بوضع السماد في حديقة تمتلئ بالأعشاب الضارة). يشيرُ ولسون إلى أنّ الإبداع لا يُدَرس، وأن الإبداع لا يُكتسب، حتى أنّه يشيرُ فيما ذُكرَ أعلاه، إلى أنّ أبواب الإبداع مُشرعة للجميع، لكن هنالك فائزا واحدا فقط، والجميع يركضون ويرقصون حوله، ويتعلمون منه سراً وجهراً. ما يهمني هنا هو فن الرواية، فقد كتبتُ في القصة والشعر، إلا أنني وللأمانة قرأتُ الروايات وأحببتُها في سنٍ مبكرة جداً. لا أتحدثُ عن قصص الأطفال أو روايات عبير، بل أتحدث عن إحسان عبدالقدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله والعقاد ويوسف إدريس ويوسف السباعي، ولم يكنْ بحوزتي في ذلك الوقت للكُتاب الأجانب سوى روايتين الأولى "كيف سقينا الفولاذ" للأوكراني دوستوفسكي والثانية "شهوة الحياة" للفرنسي إميل زولا. وكنتُ معجباً بأسلوب أولئك الكُتاب، ولكنني وللأمانة مرةً أخرى، لم أُدركْ أنني أقرأ فنَ الرواية رغم أنها تحملُ كلمة (رواية) في أعلى أغلفة تلك الكتب، إلا أنني علمت في ما بعد أن كلمة رواية تدل على معنىً مختص ككلمة قصة أو كلمة ديوان شعر، لذلك كنتُ أقول للبعض إنني قرأتُ كتاباً لـ فلان أو فلان، لم أعلم أن هذا الفن يندرجُ تحت مظلة الفنون الأدبية الجميلة، بل إنني وفيما بعد أدركتُ أنه من أجمل الفنون التي تُطرح على المستوى العالمي، والدليل على ذلك أنّ بعض هذه الروايات لا يُكتفى بها أن تُكتب وتُطبع، بل إنها تشقُ طريقها بكل سهولة ويسر إلى عالم السينما والمسرح، وكل ما تحتاجه هذه الروايات في عالم السينما والمسرح هو أن يُقَدَمَ لها سيناريو يَليق بها. المبدعون في هذا الفن كُثُر، واللامبدعون في هذا الفن أيضاً كُثر، إذاً البقاء للأصلح كما يقولُ ولسون. يعتقد البعض أنّ هذا الفن هو مجرد ورقة وقلم وفكرة، ومن ثمَ الإسهاب، يعتقد البعض أنّ هذا الفن هو أمكنة وأزمنة وشخوص، ومن ثم الإسهاب، يعتقد البعض أن هذا الفن يحتاجُ إلى صفحات كثيرة وأغلفة براقة ولقاءات إذاعية وتلفزيونية كي يُسوقَ لعمله الروائي، وبهذه المعطيات يعتقد البعض أنّه نجح وأنّه يسير بخطىً ثابتة في الطريق الصحيح، وهذا الأمر غير صحيح. ولو كان الأمرُ كذلك، لوجدنا أن الوطن العربي يعجُ بالروائيين والروائيات، بل لوجدنا أنّ في كل ركن وزاوية هناك روائي، وهنا تكمن الحقيقةُ المؤلمة، وهي: أنّه ليس كل من كتبَ أجاد، وليس كل من أجاد أبدع، وليس كل من أبدع أبهر. هناك أشباه الروائيين، وهنالك كتابات من الممكن أن نقولَ عنها محاولات أو مداخل لكتابة الرواية. والغريب في الأمر أنّ هناك من يكتب في هذا الفن وقد أَسقط أحد أهم أسس هذا الفن وهو (اللغة العربية الفصحى)، والسبب أن الرواية ليست حكاية، نقيسها بالصفة الحقيقية لكاتبها، بمعنى هل أنت روائي أم حكواتي؟؟