10 سبتمبر 2025
تسجيلمن المعضلات التي قد تجور على مُدعي الإبداع، أن يتحول من شخصٍ عاقل رزين رصين، إلى شخصٍ ناقم على حياته وعلى مجتمعه، ليصل به الأمر إلى أطراف أحلامه، معتقداً بذلك أن هذا المجتمع الذي يعيش فيه، لم يعد يستوعب ما يطرحه من فكر، بل لم يعد يستوعب حتى وجوده بينهم، لذلك لا بد له من لفت نظر هؤلاء الأفراد المحبطين مثله، والمحيطين به، والذي أخذ بعضهم في التصفيق له في كل كلمة (شجبٍ واستنكار) يتفوّه بها، عن طريق التجريح مرات والتصريح مرات أخرى، وذلك على كل ما تقع عليه عيناه، رغم أن عينيه كانتا تقعان قبل ذلك على أشياء أدهى وأمر، وهذا المُعتقد خاطئ، ولا بد من أن يصححهُ (مُدّعو الإبداع) في نفسه. فنجدهُ يبدأ بملاحقة ومراقبة الذين أقل منه سناً أو أقل منه عطاء، وهم في الأصل ليسوا بأقل منه إبداعاً، ليبيّن ضعفهم، ورداءة إنتاجهم، فيعيبُ على ما يقدمونه من إبداع في مجالٍ ما من مجالات الأدب، وبكل ما أوتي من قوة، فيصرّحُ بهم عند أصحاب الشأن، ومن ثم (ينشر غسيله) لا غسيلهم، لأنه بذلك يتعرّى أخلاقياً أمام الجميع بلا استثناء، لتتوالى الأحداث من صراخٍ وعويل حتى يصلَ به الأمر إلى اللطم، لطم النفس، لينتشر صوته داخل كل (دِماغ)، وكأنه مرض يستشري في نفس كل من هم يشاطرونه هموم الأدب، ويرفضون نقده اللاذع، ومن ثم يبدأ بالانزواء وبعدها الابتعاد، بحجة أن الناس لم ينظروا إلى ما يقدمه من نتاج، ولم يتطرقوا لما يطرحه من فكر، وهو في طرحه وإبداعه عادي لا أكثر. عفواً يا(مُدعي الإبداع)، فكل هذا الذي تُحدِثهُ من جعجعة، ما هو إلا مقدمات لنزوحك من عوالم لم تعد تستطيع مواكبتها، ولم تعد فيها كما كنت (متخيلاً)بأنك النجم الساطع. يَعتقدُ البعض أنهُ أصبحَ (عرّابا ً) لفنٍ ما، وأنهُ تسيّدَ هذا الفن، وأنهُ العلامة الفارقة (جداً) فيه، فلولاه لم يشتد لهذا الفن عود، وأنَّ وجودهُ في المشهد، من المسلمات التي لا تُناقش، وهو المسؤول الأول والأخير عنه، وكأنه بسطرٍ، أو بعزفٍ، أو بتصريحٍ، أو بلقاءٍ خاطف، أصبح الحارس العملاق لبوابة ذلك الفن. إن هذه الصورة، تتكرر كثيراً في الوطن العربي من اليمنِ إلى الشامِ، ومن بغدادِ لتطوانِ، لنجد المُبدع، والذي ليس له ثوابت فيما يُقدمه، وليس له قناعات في رضا ذاته، نجده يُحبط عاجلاً أم آجلاً، طال الزمان به أو قصر، وأكرر(المُبدع الذي ليس لهُ ثوابت وليس له قناعات فيما يقدمه). فيخلعُ كل رداء جميل، ألبسه الله عليه، ليظهَرَ بصورةٍ بشعة، تنمُ عن أشياء كُثر، من فقرٍ أخلاقي، أو نظرته لذاتهِ، أو احتقاره للآخر، أو تداعيات الصوت المتعالي في داخله للأنا، لكنّهُ في حقيقة الأمر، أنّهُ اكتشف نفسه بعد مرور القليل من الزمن، أنه لم يتطور فيما يُقدمه، فالإبداع الحقيقي المستمر،هو الإبداع الحقيقي المتطوّر لدى المُبدع، وإن لم تستطع أيها المُدّعي، أن تطوّر من إبداعك في فنك وباستمرار، فأنت لا مَحَالة، ستصبح بهذا الشكل فيما بعد، وستحملُ في داخلِكَ هذا الصوت (النشاز)، وهُنا تبدأ الحكاية المرتبطة في (أنا سوّيت، أنا وضّحت،أنا علّمت، أنا صبرت، أنا ضحّيت) فكل تلك الكلمات هواء في بالون، ستتحول فيما بعد من أكسجين يبعثُ على الحياة، إلى أحادي أكسيد الكربون، ليسمم كل من يستنشقه. إذاً هي بالفعل معضلة، لذلك لا بد من المُبدع الحقيقي، أن يطردها منه، كي لا تتفاقم لديه، فتصبح كالموج في داخله، الموج الذي لا يرحمه، ولا يجعل الآخر متفهماً لما يمرُ بهِ من انتكاسةٍ نفسية عميقة. لذلك وكي أكون منصفاً، هنالك سؤالان مهمّان، الأول: من الذي يتطوّر في إبداعه ويستمر؟، الجواب: هو ذلك الذي كلما شاهدت له عملاً، أعجبك أكثر من العمل الذي سبقه، لأنه يقدّس فنه، ويتفانى من أجله. أما السؤال الثاني: ما الحل في هذه المعضلة؟ والمتمثلة في (أن المُدّعي للإبداع لا يتطوّر)، الجواب: لا حلَّ في هذه المعضلة، لذلك أقول: (1000 لا بأس عليك). ◄ فاصلة: يُـصـغّـر ذا .. بـأراجـيـفـه ِ ويـرجـو بـذلك أن يـكـبـرا ولو عـاشَ في عـالمٍ أمثلِ لكان من الحتمِ أنْ يصغرا