10 سبتمبر 2025
تسجيلكيف يمكن للروائي، أن يقتنص الشاردة في مخيلته، ثم يوظفها التوظيف المميز لعمله الأدبي، بدون اقتباس لأفكار الآخرين؟. بحيث تكون فعلياً من بنيّات أفكاره الخالصة، دونما أن تتقاطع مع أعمال الذين سبقوه في هذا الفن. وكيف يمكن للروائي، أن يكتب روايته، بدون أن يمس المبادئ الراقية والقيم الإنسانية الجميلة؟. وذلك من خلال إنسانيته لا من خلال (المثلث الاحمر)، ولو فرضنا أنه ليس هناك من مثلث أحمر، فهل سنكتب ما يسيء لخالقنا؟، أو ما يسيء لرقينا؟. فالبعض يعتقد أنه بخروجه في النص (عن النص)، أنه أتى بما تلذ له العين وتطيب له النفس، وهذا غير صحيح. الصحيح أنك تكتب لأن الكتابة نبل، لأن الكتابة جمال، لأن الكتابة حياة، لأن الكتابة تاريخ مختصر، لا يختصر بالتاريخ. وكيف يمكن للروائي، أن يكتب عمله الأدبي بعيداً عن غريزته، بعيداً عن شهوته، لأن البعض يعتقد بأنه يكتب المحظور، كي يختلف عن الآخر، فيقوم بترويج عمله الأدبي بطريقة مختلفة، ليكمل اعتقاده بأن رواياته هي الأكثر مبيعاً، هي الاكثر انتشاراً، وهذا أمر مقرف ومقزز للغاية. ذلك أن العمل الأدبي، أذا أغرق بالشهوة، مات، فذلك الشاب الذي يحب طفلة، وتلك العجوز التي تحب ابن الجيران، وتلك الخادمة التي شغفها حب كفيلها، فهذه الأعمال سرعان ما تموت، ناهيك عن بعض الأعمال الغارقة بالألفاظ الفاحشة، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع في عالم الأدب. وكيف يمكن للروائي، أن يحكي لنا تلك الحكاية النشطة في ذهنه، بعيداً عن شخصه، وعن حياته الشخصية؟. فمن المؤسف جداً، أن تقرأ رواية أحدهم، وكأنك تعيش حياته اليومية، تأكل من أكله، وتشرب من مشربه، وقد ترى ملابسه وألوانه التي يحب، وقد تنام معه على سريره، وبعيداً عن التوغل، فهناك الكثير من هذه الأشياء التي لا أرغب بذكرها هنا، وذلك كله عبر روايته التي حاول ان يحكيها لنا، ولكنه وقع في فخ (أن الرواية هي التي كتبته، ولم يكتب هو روايته). وهذا اللبس وقع فيه الكثير من كتاب الرواية على المستوى الاقليمي، ذلك أنه اختلط عليهم مفهوم الرواية بمفهوم السيرة الذاتية. فالسيرة الذاتية تأتي بعد فكر وجداني ضخم، يفيض بالتجربة الحياتية الخلابة، إضافة إلى ان صاحب تلك السيرة، لا بد أن يكون لديه ثراء لغوي، وتجربة أدبية يحتذى بها، هذا أذا أراد أن يكتبها بنفسه، فالسيرة ليست كما يعتقد الكثير، بأنها حفلة تنكرية، تفاجئ صاحبها بأنه لم يكن ذلك القمر المنير بها، وعوضاً عن ذلك، أخذ يكتب سيرته الهزلية. وكيف يمكن للروائي، أن يحكي قصته العالقة في عقله، ذات الغائية بالمعنى والهدف، بحبكتها الرومانسية أو العدائية، بحبكتها التاريخية أو الفلسفية، دونما أن تتقاطع تلك الحكاية مع حياته اليومية؟. وما يدهشني أكثر، أن أكثر الروائيين الجدد في الساحة العربية، يكتبون هذا النمط العادي، ما أن تقف عند آخر صفحة من بعض تلك الروايات، حتى تجد نفسك منهكاً، بلا فائدة، فلم تزدك فكراً، أو تتوجس من حدثٍ ما، أو تخلق لك تلك الرواية أفقاً جديداً في توجهك أو تطلعك. وكيف يمكن للروائي، أن يكتب حقيقة ما يجول في خاطره، دونما أن يتعثر في التقاط المفردة المناسبة لتلك الجملة الممتدة عبر السرد؟ فالسرد هو نقل الصورة الكاملة كما هي، من ذهن الروائي نفسه إلى ذهن القارئ، عبر وجهة نظر السارد، وصوت السرد، وعبر تحديد وقت السرد. وأصعب ما يواجه الروائي من عملية كتابة الرواية، هي معضلة السرد، لأن السرد بحد ذاته يحتاج إلى توقد فكري ووجداني وذكاء حاد، وكل ذلك لا بد أن يكون في نفس الوقت، كالمحقق الذي يتتبع خيوط جريمة ما قد حصلت، ويريد أن يربط تلك الخيوط ببعضها البعض، ثم يمسك بالمجرم. فكيف يمكن للروائي عمل كل ذلك؟. يقول إلبرتو مانغويل: يعرفُ القرّاء أن ثمة على الأقل، هنا وهناك، أمكنة آمنة قليلة، حقيقية كالورق وحميمية كالحبر، تمنحنا مأوى ومائدة أثناء عبورنا خلال الغابة المظلمة التي لا اسم لها.