11 سبتمبر 2025
تسجيلأفكر في أدباء الأجيال التي سبقت جيلنا هذا، أدباء الأجيال الذين عاشوا في القرن الماضي والذي سبقه لا أكثر، والذين كان لهم الدور البارز والمهم في تطوير وإثراء الحركة الأدبية من المقالة حتى المسرح، في أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، بشقيه الآسيوي والأفريقي، وذلك عن طريق إحياء التراث العربي الأصيل، والترجمة الصحيحة للأدب الغربي المتزن. وإن كانت هناك بعض الدول، والتي أولت للحركات تلك الكثير من الاهتمام، كمصر والعراق وسوريا، فهذا الأمر قد يعود لأسباب كثيرة، ومن أهمها أن هذه الدول في الأصل تعتبر امتداداً حقيقياً لحضارات قديمة، كما أن عواصمها كانت عواصم متعاقبة للخلافة الاسلامية على مر العصور، منذ التمدد الأول للإسلام. أضف إلى ذلك انتشار مجالس العلم والاهتمام بالترجمة في تلك البقاع، وكذلك السبق في إنشاء المدارس ودور الطباعة والنشر، وهذا الأمر جعل الأدب في هذه الدول مزدهراً أكثر من غيرها من الدول العربية. لتفرز لنا تلك العواصم والتي نشأت بها المجتمعات القديمة والمتجددة على مر القرون، فهي تعتبر الحاضنة الأولى للثراء الفكري العربي، الحاضنة للكثير من الإبداع الحقيقي في مجال الأدب، حيث لم يقتصر ذلك الأدب على فن دون آخر، بل كان الإبداع شاملاً لكل نواحي الأدب، بدءاً من المقالة والنثر والشعر حتى المسرح والرواية والنقد. وهذا لا يعني أن بقية الدول العربية الأخرى كانت خالية من تلك الحركات الأدبية الحقيقية، بل إنه كانت هناك حركات أدبية مجتهدة ولكنها متواضعة، بعضها حركات ناشئة، والبعض الآخر تيعتبر جهوداً فردية، لم تتلق الترحيب الكافي، نظراً لانشغال أفراد تلك العواصم في طلب الرزق المستمر، فكان العائق الأول والأخير هو (لقمة العيش)، فكانت محاولات صغيرة، غاب روادها عن المشهد الحقيقي للثقافة، بالرغم من أن بعضاً من آثارهم بقيت حتى يومنا هذا. لقد تصدّت تلك الحركات الثقافية العميقة، لما وصل إليه حال الأدب العربي من تدهور وانحطاط في شتى مجالاته، حتى إنه أصبح فقط مقتصراً على الشعر، وهذا الأمر جعل من الفنون الأدبية الأخرى في المجتمعات الغربية، أكثر تقدماً وتطوراً من الأدب العربي، والذي أصبح مع مرور الأيام متخلفاً. وهنا ربما يقفز لي أحد مدّعي النقد، ليقول لي: إننا لسنا متخلفين، وإننا نقارع الأمم الأخرى في الطرح، فردي عليه هو: نعم الآن نحن نسير بخطى حثيثة في الطريق الصحيح وبجدٍ واجتهاد، ولكننا في السابق، اكتفينا بالشعر، حتى إنه وصل بنا الحال، (إن لم تكن شاعراً، فالأولى بك أن تحفظ ما تيسر لك من الشعر)، وهل الأدب فقط هو الشعر؟. ومع ذلك، لن أذهب بعيداً عن القرنين المنصرمين، بل سأطرح سؤالاً واحداً فقط: هل كان هناك أدب زاخر في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وإن كان هناك فعلاً أدب يُحتذى به، فهل هناك مسرح عربي أو روايات عربية؟. أو لنحصر الموضوع أكثر، هل هناك عدد من الروايات في ذلك الزمان تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في الوطن العربي بأكمله، وهذا الأمر ينطبق على عالم المسرح. مقابل الزخم المهول في دور المسارح الثابتة والمسارح المتنقلة أو حتى الروايات الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى في الغرب، حتى إن بعض تلك الروايات إلى الآن يُترجم ويُطبع ويُنشر، وعليه إقبال منقطع النظير، رغم أن كتّاب تلك الروايات ماتوا منذ عقودٍ بعيدة، كالروايات الروسية أو الروايات الفرنسية، على سبيل المثال لا الحصر. فلا أحد يضاهي اللسان العربي الأصيل، اللسان العربي سواء من (أبناء الوبر أو أبناء المدر أو أبناء البحر)، فلو كان هناك اهتمام حقيقي بشتى مجالات الأدب في قديم الزمان، لسبقنا الأمم كلها في تناول المسرح والرواية والنقد والنثر، ولكن فلاحنا كان مقتصراً على الشعر. ومن هنا تبدأ الحكاية الجديدة، حكاية المسرح العربي والرواية العربية والنقد العربي، فنحن أولى من غيرنا بهذه الفصاحة والبلاغة العملاقة في الطرح، إذاً القادم دائما أجمل. ولا ننسى هنا الدور السلبي الذي مارسه المستعمر الأجنبي ضد الإنسان العربي.. للأسف.