11 سبتمبر 2025

تسجيل

ق ق ج

08 نوفمبر 2018

روائي قطري(إن الهدف الذي أسعى إليه هو أن أكثف في خمس وأربعين كلمة - أي في جملة واحدة تقريباً - الكمية القصوى الممكنة من الإحساس، باستخدام أقل عدد ممكن من الكلمات). يوسف إدريس القصة القصيرة جداً، هي أحد أبرز الفنون الأدبية الجديدة، حيث أنها تعتبر من الأدب المبتكر حديثاً، وللأمانة هي جميلة وسلسة وبسيطة، وذلك لأن طابعها سريع وتلقائي وعميق، ويحتاج إلى ذكاء أدبي، كي يستطيع القارئ أن يصل للمعنى المراد لتلك القصة، حتى ولو تعددت المعاني، إلا أنها ولا شك في ذلك تحمل دلالات، وهي تصلح لزمننا هذا، زمن الملل، وأناسه الذين هجروا الكتاب، واكتفوا بالآيباد والآيفون، زمننا المليء بالسرعة، المكتظ بالعولمة والإحباط. فقد بدأت (القصة القصيرة جداً) عند العرب في منتصف القرن الماضي، تحديداً في سوريا وفلسطين والمغرب وتونس، ولكنها كانت قبل ذلك التاريخ في الغرب. يمتاز هذا الفن بالجمل القصيرة والعبارات المكثفة، ذات الإيحاء المباشر والغير مباشر، إضافة إلى التلميح والتوتر في الأحداث، ناهيك عن النفس القصصي المختصر، بحيث تحتفظ بالمقومات الأساسية للسرد القصصي، كالحدث والشخوص والزمان والمكان. ولهذا الفن عدة مسميات: ومضات قصصية، بورتريهات قصصية، مشاهد قصصية، خواطر قصصية، ملامح قصصية، إلا أن المسمى الصحيح لهذا الفن هو: القصة القصيرة جداً، ويرمز لها بـ ق ق ج. ومن الغريب أن لها مسميات مختلفة في بعض البلدان، فالبعض يسميها قصص بحجم راحة اليد، وقصص ما بعد الحداثة، والقصص المجهرية، وقصص الصقعة، وقصص الشرارات، والقصة الشاعرية، والقصة المصغرة، والقصة المفاجئة. ففيها مظاهر التجسيد كما القصة والرواية، فمنها القصة الرومانسية والرمزية والواقعية إلى آخره. فقد تكتفي القصة تحت هذا الفن بسطر، وقد تكون على شكل مشهد واحد، أو فقرة يتيمة، أو نص واحد فقط، ورغم قصر عمر هذا الفن، إلا أن له روّاده، كما بقية الفنون الأدبية الأخرى. يقول د. جابر عصفور في (أوتار الماء - عمل يستحق التقدير) : إن فن القصة القصيرة (لا يبرع فيه سوى الأكفاء من الكتاب، القادرين على اقتناص اللحظات العابرة، قبل انزلاقها على سطح الذاكرة)، فما بالكم بكتاب القصة القصيرة جداً. ويقول الأديب منير عتيبة، الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن مجموعته القصصية القصيرة جدا «روح الحكاية»: إن القصة القصيرة جداً هي إبداع مقطر، وذكاء في الكتابة والتلقي، وعمق في الفكر، وجمال في اللغة، وهي أصعب كثيراً في كتابتها من القصة القصيرة، ربما يكون السبب الأساسي في ذلك أنه كلما كان الحجم أصغر كان الخطأ أكثر وضوحاً وأقل قبولاً، أرى أن القصة القصيرة جداً تحمل روح الرياضيات والشعر، فكل كلمة من كلماتها رمز إشاري له دلالاته المتعددة، كما أن تكثيفها الشديد هو تكثيف مجازي له ظلال وألوان طيفية لا نهائية، ولا أظن أن الاتجاه إلى كتابتها من عدد كبير من الكتاب، ومن أجيال مختلفة، بسبب ضيق وقت الكاتب والقارئ، فالوقت هنا مجرد عامل ثانوي، لكني أعتقد أن هذا الاتجاه هو تعبير عن بعض السمات العميقة لما نسميه روح العصر. وللكاتبة المغربية فاطمة بوزيان قصة قصيرة جداً، بعنوان: (في حوض الحمام) كان يشعر أن الماء الساخن يذيب كل شحمه الفائض، يذيب كل تعبه، يذيب شكوكه يذيب سوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت .. يذوب. صار ماء لا طفولة له، فجأة تذكر مجرى الحوض، هب خائفاً فعاد إليه شحمه، تعبه، شكوكه، وسوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت.