11 سبتمبر 2025
تسجيلمن أسباب التكبر في الحياة: مقارنة العبد نعمته بنعمة الآخرين وهذا يؤدي أحيانا إلىنسيان المنعم، ذلك أن من الناس من يحبوه الله - لحكمة يعلمها - بنعم يحرم منها الآخرين،كالصحة أو الزوجة أو الولد أو المال أو الجاه أو المركز أو العلم أو حسن الحديث أو الكتابة أو التأليف أو القدرة على التأثير، أو كثرة الأنصار والأتباع... إلخ، وتحت بريق وتأثير هذه النعم ينسى المنعم، ويأخذ في الموازنة أو المقارنة بين نعمته ونعمة الآخرين فيراهم دونه فيها، وحينئذ يحتقرهم ويزدريهم ويضع من شأنهم وهذا هو التكبر.وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا السبب، أو إلى هذا الباعث من خلال حديثه عن قصة صاحب الجنتين فقال: { واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا * كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا.... } المشهور من كلام المفسرين أن هذين كانا رجلين مصطحبين وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا، ويقال إنه كان لكل منهما مال، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه.وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين وهما الجنتان المذكورتان في الآية على الصفة والنعت المذكور، فيهما أعناب ونخيل تحف تلك الأعناب والزروع في ذلك، والأنهار سارحة ههنا وههنا للسقي والتنزه، وقد استوثقت فيهما الثمار واضطربت فيهما الأنهار، وابتهجت الزروع والثمار، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له: (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرا) أي: أوسع جنانا، ومراده أنه خير منه ومعناه ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه، كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي، فافتخر على صاحبه. كان من جراء تلك المقارنة أن دخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدا!! ثم ازداد تكبرا وعنادا وتطاولا فقال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً! فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة، اغتر بدنياه واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده، فكان الجزاء شديدا أليما بما جنت يداه.