10 سبتمبر 2025

تسجيل

جولة بينج الأوروبية.. الأهداف والانعكاسات

27 مايو 2024

في مطلع شهر مايو قام الرئيس الصيني «شى جين بينج» بجولة إلى أوروبا قد شملت ثلاث دول: فرنسا والمجر وصربيا، نالت اهتماما عالميا واسعا بسبب ما ستسفر عنه من انعكاسات قوية مرتقبة على صعيد قضايا وتحديات كثيرة من أبرزها الحرب الأوكرانية، ومستقبل العلاقات الأوروبية -الصينية، والصراع بين الصين والولايات المتحدة. جولة الرئيس بينج الأوروبية تعد من الأحداث التاريخية الفارقة، أي ليست جولة عادية. ومن ثم، فهي تحمل أهدافا استراتيجية للصين على أصعدة عدة وفى توقيت غاية في الحساسية أيضا. ويتبدى ذلك، من المحطات الأوروبية الثلاث التي شملتها جولة بينج. المحطة الأولى والأهم فرنسا، استهل بينج زيارته لأوروبا بزيارة فرنسا التي استقبلته بترحيب كبير، وعقد محادثات مطولة مع الرئيس ماكرون. وتعكس زيارة فرنسا تحديداً وجعله مستهل الجولة الأوروبية، دلالة قوية للغاية لأهم أهداف بينج الأوروبية، والتي تكمن في ضرب الجهود الأمريكية الرامية لاستقطاب أوروبا خاصة الغربية في صراعها مع الصين. أو تعميق الانقسام بين أوروبا والصين. ففرنسا على وجه التحديد، تتبنى نهجا استقلاليا نسبيا عن الولايات المتحدة منذ 2016، وتضخم بصورة لافتة في ظل رئاسة ماكرون. إذ تعد فرنسا أكثر الدول الأوروبية وضوحاً بشأن رفض الانجرار في حرب باردة غربية مع الصين، وترى أن الصين مجرد منافس اقتصادي لأوروبا، وثمة إمكانية كبيرة لاحتواء هذه المنافسة عبر الحوار والتعاون. فضلا عن ذلك، تتبنى فرنسا موقفا اكثر استقلالية بشأن تشكيل قوة دفاعية أوروبية خاصة بعيداً عن الحماية الدفاعية التقليدية للناتو والولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك، ترى فرنسا أن إنهاء الحرب الأوكرانية مرتهن بدرجة كبيرة بالإرادة الصينية. وهذا ما عبرت عنه صراحة رئيسية المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» خلال اجتماعها مع بينج وماكرون خلال الزيارة في فرنسا، بقولها «نأمل أن تستخدم الصين نفوذها على روسيا لإنهاء الحرب الأوكرانية». وفى مقابل ذلك، ترى بكين فرنسا قائد أوروبا الرئيسي القادر خاصة في ظل الاستقلالية التي تتطلع لها بعض الدول الأوروبية كألمانيا وإسبانيا، على ترميم العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والصين التي قد شهدت توترات خلال العامين الماضين، وأيضا على إقناع أوروبا على قبول نظام دولي متعدد الأقطاب. وكانت صريبا المحطة الثانية في الجولة، وتم استقبال بينج بحفاوة بالغة. وتتمتع الصين بعلاقات قوية مع دول البلقان وشرق أوروبا خاصة على الصعيد الاقتصادي. وتتمتع العلاقات بين الصين وصربيا بعمق وخصوصية كبيرة، قد تعززت على خلفية مساندة الصين القوية لصربيا في أزمة كورونا. لذا، فزيارة بينج لصربيا تحمل دلالة رمزية قوية على أهمية وخصوصية تلك العلاقة التي تفوق في قوتها علاقة صربيا بأوروبا. فضلا عن ذلك، عززت الزيارة من أفق الشراكة الاقتصادية القوية بين البلدين، حيث تم الاتفاق على إعفاء بعض صادرات صربيا إلى الصين من الرسوم الجمركية لمدة 15 عاماً. المجر المحطة الثالثة في الجولة، فهي تتمتع بعلاقات راسخة صلبة مع بكين، وتغرد كثيرا خارج السرب الأوروبي. إذ على سبيل المثال، كانت من أكثر المعارضين لفرض العقوبات الغربية على روسيا. ومن ثم، فزيارة بينج لها تحمل دلالات سياسية قوية، من أهمها تعزيز جبهة المعارضة الغربية للصراع مع الصين، وتعزيز نفوذ الصين في شرق أوروبا عموما. علاوة على ذلك، تعد المجر شريكا اقتصاديا مهما للصين وتتطلع لاستقبال المزيد من الاستثمارات الصينية، وهو ما عكسته الزيارة من رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. ومما تقدم، يمكن تسليط الضوء على أبرز الانعكاسات الاستراتيجية للجولة: -تدعيم الانقسام الأوروبي-الأمريكي بشأن الصراع مع الصين. -دعم الصين لنفوذها السياسي والاقتصادي في أوروبا خاصة في شرق أوروبا. -دعم التوجه الأوروبي الداعي لنظام دولي متعدد الأقطاب والإقرار بانتهاء القطبية الأمريكية بصورة نهائية. -صعوبة الرهان الكامل على واشنطن في إنهاء الحرب الأوكرانية ورجحان كفة الرهان للصين. -حلحلة نسبية للحرب الأوكرانية، أو على أقل تقدير إنهاء اللغط المتعلق بالمشاركة الأوروبية في الحرب، والرد الروسي عبر السلاح النووي التكتيكي.