15 سبتمبر 2025

تسجيل

يا سائلي عن شعبان

27 مايو 2015

شهر يغفل الناس عنه . بهذا عنون النبي صلى الله عليه وسلم سمة الناس في هذا الشهر الكريم، وهي إشارة لها دلالة يحسن الوقوف عليها وقد أوشك ثلثه الأول أن يرحل عنا ! أسامة بن زيد لاحظ كثرة صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان فسأله: لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " هي إشارة عملية أن الأوقات التي يغفل الناس عنها لا ينبغي أن يتغافل عنها طلاب الآخرة، خاصة وقد يكون فيها من الفضل ما لا يدركه البعض في غيرها، وقد ذكر أهل العلم فوائد للعمل في أوقات الغفلة منها:- أن العمل يكون أخفى، وغفلة الناس عنه تجعله أرجى في القبول، وهنا نستذكر مآثر سلف الأمة رضي الله عنهم فقد ذكر ابن القيم أن أحد السلف صام أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وحين يعود إلى بيته يقدم له العشاء وهو فطوره، وحسبه أن الله مطلع عليه عالم بحاله.- العمل في وقت الغفلة يكون شاقا على النفس، وأفضل الأعمال أشقها لمن اعتبر ولعل هذا بعض قول النبي صلى الله عليه وسلم :(للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون). - الأعمال في أوقات غفلة الناس عظيمة القدر عند الله، يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دل على حرصه على الخير . ولهذا فضل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت، وخاصة ساعة السحر، ساعة أن يخلو الإنسان بربه لا يشغله عن الله شيء فيخاطبه بانكسار قائلا:بذلِّي أرتجي ربا فضيلا ***** حميدا أبتغي منه القبولا وأبتهل ابتهال العبد يدعو ***** إلها واحدا صمدا وكيلا فكن لي دائما ربي معينا ***** وكن لي واهب الحسنى دليلا تقبَّل صومنا اللهم نحيا ***** بخلد يحتوي الظل الظليلا !ثم في هذا الشهر ليلة النصف من شعبان التي يكثر الجدل فيها بين مانع ومجيز، والحق أنه لم يرد في فضل هذه الليلة حديث واحد صحيح ليس فيه مطعن، بل كما قال العلامة الألباني رحمه الله: (إن أحاديث ليلة النصف إن كان المقصود منها ما يتعلق بالأمر بقيام ليلها وصيام نهارها - كما هو الظاهر من كلامه- فهو حديث واحد لا يوجد سواه وإسناده ضعيف جدا، كما هو مبين في المجلد الخامس من " سلسلة الأحاديث الضعيفة، وإن كان المقصود حديث المغفرة لجميع الخلق إلا من استثني فيه فهو حديث واحد أيضا جاء من طرق عن جمع من الصحابة وبألفاظ مختلفة لا يسلم طريق منها من علة ولذلك ضعفها أكثر العلماء كما قال ابن رجب وصحح أحدها ابن حبان وفيه انقطاع فمن الممكن تصحيحه أو تحسينه على الأقل لتلك الطرق ومن أجلها خرجته في " السلسلة الصحيحة " وبهذا يكون الحديث الوحيد الذي ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة هو : (يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) وهذا الحديث جعله الألباني دائرا بين الصحة والحسن، وهذا أرجى أن تكون لهذه الليلة ميزة من هذا الوجه، فإذا أضيف إلى ذلك ما اشتهر عن جماعة من السلف ثبت اعتناؤهم بها لكان مستأنسا، ومن ذلك مثلا ما قاله ابن رجب الحنبلي: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها)وقال ابن تيمية: «وأما ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينكر مثل هذا»الشاهد أن الدعوى بأن الليلة فيها أحاديث تحث على قيام ليلها وصيام نهارها دعوى جوفاء، تماما مثل الدعوى أنها مثل أي ليلة، وعليه فقول شيخ الإسلام رحمه الله السالف له وجهة قوية . لم يتبق من شعبان إلا أيام فهل من عودة وتوبة ورجوع استعدادا لشهر الخير والفضل، أم سيصير شعبان مثل رجب !مضى رجب وما أحسنت فيه وهذا شهر شعبان المبارك فيا من ضيع الأوقات جهلا بحرمتها أفق واحذر بوارك فسوف تفارق اللذات قسرا ويخلي الموت كرها منك دارك تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مدارك على طلب السلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك اللهم بلغنا رمضان واجعلنا ممن صام نهاره وقام ليلة احتسابا لوجهك الكريم.