14 سبتمبر 2025
تسجيليحيل الواقع السوريّ على إبداع ممتدّ متواصل، في الحياة والفنّ والأدب، ذلك أن وجوه المأساة تعدّدت وتناثرت في جوانبها الإنسانية، ولم يعد يكفي نصّ أو جنس أدبي أو لون فنّي للتعبير عن قدر تراجيدي يصارعه السوريون منذ أكثر من أربع سنوات، بحثاً عن خلاص لا يبدو قريباً. ميزة النتاج السوريّ الجديد أنّه أدخل أعداداً في مشغل الإبداع، وفي أكثر من ماعون نشر، ولعلّ دخول مواقع التواصل طرفاً في النشر أضفى حيوية كبيرة في هذا المجال، فسعة الانتشار والمقروئية فاقت انتشار الجريدة الورقية، ممّا أتاح لكثير من النصوص المتجاوزة أن تنتشر، وجعل إمكانية المشاركة متاحةً لكلّ من يمتلك حساباً في هذه المواقع، وأتاح للمتفاعلين المشاركة في ورشة إبداع كبيرة. أغنت عن وسائل النشر التقليدية القديمة.أتاحت لنا مواقع التواصل التعرف إلى أدب جديد، يتخلّق بهدوء، في انتظار تقييم جديد. ولعلّ النصّ الذي صادفني للشاعرة ريما بعيني وقرأته أكثر من مرّة، فأثار دهشتي ومرارتي، لعلّه نتيجة هذه المشهدية اللافتة، تقول الشاعرة: " أبي الذي كان يعدّنا على أصابعه/ ويخطئ دائمًا في العد/ أقنع نفسه تلك الليلة أنه كان مصيبًا/ ظل يردد طوال الوقت "عشرة.. عشرة"/ سبعة منّا باتوا ليلتهم تحت التراب/ أمي صفّت على جانبيه عشر مخدات/ لتساعده على النوم".تأتي قيمة الدهشة من صورة الأب الذي لم يتقبّل رحيل أولاده، بتبنّيه سلوكاً سابقاً على حادثة المجزرة، فالأب دائماً يتفقد أولاده العشرة قبل النوم، ويخطئ في عدّهم، لكنّ هذا السلوك صار عذاباً يومياً لايُطاق، لايهدأ إلا بعد أن تضع الأم وسائد الغائبين، وتصفّها كما كانت.يأخذ النصّ مجامع الدهشة عند المتلقّي رغم اقتصاده في اللغة، لكن سرديته العالية، وقفلته المفارقة، تشحن المتلقي بألم عاصف إلى حد الإيذاء، ورغم بساطة البناء إلاّ أنه يحيل على جملة من الإشارات كأصابع الإيطالي فانسيني" أعد الأرقام على أصابعي، وعليها أعدّ الأيام والأصدقاء"، وأصابع طلال حيدر في أغنية فيروز الشهيرة، والأولاد العشرة في التراث ونذر ذبح أحدهم، و"البوّ" الذي يُستدرّ به حليب الدابّة التي فقدت ولدها، لكنه ينسيك كلّ هذه الإشارات ليبني فضاءً خاصّاً به وبالحالة السورية.