14 سبتمبر 2025
تسجيلفي وسط إدراكِـنا العقليِّ للواقعِ، توجد مناطق من الظِّلالِ التي تُخفي جزءاً من حقيقةٍ، أو تُبرزُ أجزاءً لا قيمةَ لها تتحكم بسلوكِـنا وأنماطِ تفكيرِنا. ولذلك نقول إنَّ كثيرينَ يخطئونَ عندما يُصِـرُّونَ على أنَّ العقابَ والثوابَ هما السياسةُ السليمةُ الوحيدةُ في تقويمِ السلوك. عندما تتقدمُ البلدانُ حضارياً وعلمياً، يُعنى الناسُ بعلم النفسِ كثيراً، ويُقدِّرونَ الـمُختصين فيه. وحتى في مجالِ الرياضةِ نجدُهُم يُولونَ اهتماماً بالغاً لدراسةِ أسبابِ السلوكِ الرياضيِّ بهدفِ فَـهْـمِـهِ والتنبؤِ بتأثيراتِـهِ على الأداءِ. وهنا، نجد مفارقةً غريبةً عندنا عندما نُصِـرُّ على حَصْرِ السلوكِ الرياضيِّ في تأثيراتِـهِ على الـمجتمعِ فحسب، دون محاولةٍ لتطويرِ مفاهيمنا لتمتدَّ فتشملَ التكوينَ النفسيَّ للاعبِ الرياضيِّ كفرد ذي شخصيةٍ مستقلةٍ فيها جوانبُ من الشعور بالانتماءِ للجماعةِ، وبمعنًى آخر، لا ننظر إليه كإنسانٍ ذي وجودٍ مستقلٍّ وإنما كـمُـعَـبِّـرٍ عن أفضلِ ما فينا، وكأنه جزءٌ من ذاتنا يمارسُ الرياضةَ.ورغم التقدُّمِ في مجالِ تأسيسِ الكيانِ الرياضيِّ في بلادنا وإقامته على ركائز صلبةٍ من العملِ الـمؤسَّـسيِّ الاحترافيِّ، إلا أننا لا نجد تقدُّماً مماثلاً في العناية بعلمِ النفسِ الرياضيِّ. ونلحظُ نوعاً من عدمِ التواصلِ بين الـمؤسساتِ الرياضيةِ الأكاديميةِ وجامعةِ قطرَ في هذا الصددِ، رغم أنَّ الجامعةَ تضمُّ نخبةً من الـمختصين في علميِّ النفسِ والاجتماعِ ممن لهم باعٌ طويلٌ في القيامِ بدراساتٍ مُـعَـمَّـقةٍ منشورةً، أو مطبوعةً بانتظار نَشرها والإفادة منها.من جانبٍ آخرَ، نُفاجأُ بأنَّ الـمفاهيمَ العامةَ عن السلوك الرياضي ودوافعِـهِ وتأثيراتِـهِ، صارتْ مجالاً يخوضُ فيه الجميعُ دون درايةٍ أو علمٍ. فنجدُ تحليلاتٍ نفسيةً لا صلةَ لها بعلم النفسِ تغصُّ بها الصحفُ ووسائلُ الإعلامِ، وجميعها تُرَكِّـزُ على الأخلاقِ القويمةِ التي يجب أن يتحلى بها الرياضيونَ، ووجوبِ تشديدِ العقوباتِ عليهم لو أساءوا التَّصرُّفَ. ولنقرأْ هذا الأمر من جانبينِ:الأول: إنَّ الحديثَ الأخلاقيَّ لا ينبغي أن يُتَّخَـذَ سبيلاً للحكمِ على الرياضيينَ دونَ قيودٍ، فنحنُ لسنا قضاةً يطلقونَ أحكاماً وفقاً لقاعدةٍ قانونيةٍ مُحدَّدةٍ، وإنما نحاولُ شرحَ الحالاتِ الـمختلفةِ والإشارةِ إلى الحلولِ الـممكنةِ، ثم ندعو الـمختصينَ للبحثِ والدراسةِ الجادَّينِ بشأنها حتى نضعَ تصوراتٍ لكيفيةِ التوعيةِ بها وتجنيبِ الـمجتمعِ تأثيراتِها السلبيةِ على الناشئةِ والشبابِ.الثاني: إنَّ الحديثَ الضخمَ الواسعَ عن تشديدِ العقوباتِ، ينعكسُ سلباً على الناشئةِ والشبابِ حين يجعل تصوراتِـهِم الذاتيةِ للسلوكِ السَّويِّ مرتبطةً بالزَّجْـرِ والعقوبةِ، بينما نسعى لبناءِ دوافعِـهِم على أساسٍ من الالتزامِ الذاتيِّ الـمُنضبطِ بروحٍ وطنيةٍ يشعرون من خلالِها بأنهم أجزاءٌ إيجابيةٌ فاعلةٌ في الـمجتمعِ.كلمةٌ أخيرةٌ: نحن بحاجةٍ لانخراطِ الـمختصينَ في علمَيِّ النفسِ والاجتماعِ بقوةٍ في بناءِ مستقبلِ بلادِنا، وطالما ظلوا مُـبعَـدينَ أو بعيدين عن الـمشاركةِ في مسيرتِنا الرياضيةِ فإنَّ أحاديثنا ستبقى مرهونةً بما نتمناهُ وليس بالواقعِ الـمُعاشِ وشروطه.