10 سبتمبر 2025
تسجيلكثيراً ما يستهين المرء بدواخله، وقد يُهمل النظر إلى أفكاره وظنونه تجاه نفسه، ومشاعره تجاهها ويعتقد أنها مما استودعه في طوّية النفس التي لا يعلمها إلا الله ولا أثر لها على أرض واقعه، وأنها محض أفكارٍ داخلية، أو مشاعر مخبأة، لن يطلّع عليها أو يشعر بها أحد ! بل قد لا يلحظها الآخرون مع إتقان الاصطناع، وجودة الانتحال والتخفّي وراء الأقنعة، وتزييف ظاهر مُتقن لما يريد البلوج به كرداءٍ منسوجٍ ببراعة يرتديه متى شاء، أمام من شاء كيفما شاء! ولكن الحقيقة أن كل ما استودعناه في دواخلنا - بلا استثناء - دق أو جل، صغر أم عظُم يسقط منعكساً على (منشور) الحياة فيبعثه متفشيّاً في كل مكان وعلى أيٍ ما نتعامل معه ! فالناس على سبيل المثال ستعاملك - حتماً - على القدر الذي ترى به نفسك، وعلى النحو الذي تعامل به ذاتك حقيقةً بلا مواربةٍ وإن أتقنت الظهور بما يخالفه! فلن يستطيع أن ينضح إناءٌ إلا قطعاً بما فيه! فما تستودعه في سريرتك شاهدٌ لا محالة على ما ظهر منك شئت أم أبيت، وعيت به أم لم تعِ. فإن كنتَ ترى نفسك في أعماقك (ولو بشكلٍ غير واعٍ) غير جديرٍ أو جيّدٍ كفاية، فإن هذا الاعتقاد سيعكس نفسه آنياً أو تالياً.. لترى ممن حولك ما يثبت لك ذلك! وكأنه دليلٌ بيّن على ما تحويه طوّيتك، وما تحمله سريرة نفسك من الشعور والقناعات.. فلا يستقيم أن يتعهد الإنسان نفسه فيكون طيّباً، مُحسناً، صادقاً، يرى في نفسه جميل المناقب، ويُبصر في الحياة رحمة الله وحكمته، ويتزن في حياته مع ذاته ومع غيره ويؤمن بأن الله عدلٌ لا يظلم مثقال ذرة، لا يستقيم كل ذلك مع سوء الحال، ونبذ الآخرين وسوء المنقلب.. فالمقام المحمود هو وعد الله لكل من آمن وصدّق، والفلاح هو المآل لكل من زكّى نفسه وأخلص.. لذلك لا يغرّنك من يقول إن جل مشاكلي من (طيبتي) ! وأن الدنيا قلبت عليَّ ظهر المجن !! فالرهان هنا هو (المعنى) الذي يحمله في عقله ووجدانه وما يُعرّفه ويتصوّره عن معنى (الطيبة)، فيخلط مثلاً بينها وبين السذاجة، أو بينها وبين الضعف والهوان واستجداء الاهتمام. والرهان كذلك على مقدار القناعات التي يشحن بها عقله عن الدنيا وما حوت، بأنها دار الابتلاء، وتعاسة المؤمن، وشقاء الحال، وصعوبة الصروف، وتكالب النوائب! وليس كل ذلك سوى محض عدلٍ، فلن يُوجد في حياتك ما لا يُشبهك مهما اختلفت مظاهره وطرق تجلياته ! * لحظة إدراك: من أجلى الطرق للتزكية والسمو هو تعهّد واقعك بالمراقبة والتقييم، فإن سرّك ما ترى فما هو إلا علامة على رقي ما تحمله بداخلك، وإن ساءك ما تجد فالطريق مُتاح ومعلوم، تبدأ بالتزام ذاتك بالتغيير حتى يتغيّر واقعك. فـ (إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم). وكما ورد في الأثر: (ما أسرَّ عبدٌ سَرِيرَةً إلا ألبسهُ الله رداءها، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر).