11 سبتمبر 2025
تسجيليراد بالتعصب في اللغة: المحاماة والمدافعة، وقد يراد به التشدد في أمر وعدم سماع آراء الآخرين، أو الانتصار لطائفة مُعينَة، والمراد أن تجاوز الحد في الحكم على الأغيار أو التعصب لأعلام مدرسة ما؛ قد يؤدي إلى تجاوز حد الاعتدال مما يولّد منابذة للمخالف، الأمر الذي يدفع المخالف إلى مقابلة التعصب بمثله، فلكل فعل رد فعل مساو وربما مجاوز! في تراجم الذهبي في السير ذكر في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني المتوفى (430 هـ) نقلا عن أبي بكر بن أبي على الذكواني (419هـ) أن أباه لما "فرغ من إملائه، قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم، فليقم. وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجورا، بسبب المذهب، وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيل وقال، وصداع طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد الرجل يقتل. قال الإمام الذهبي معقبا: ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم".وشدة لفظ الإمام الذهبي التي تجاوزت هدوءه المعهود، ودقة اختيار ألفاظه، الدافع إليها: خطورة المآل في الحكم على مسلم، حتى يستحل دمه على إثر خلاف فكري أو عقدي، وهذا ما لا ينبغي وإن خالف الصواب — في نظره — ما دام مراده معرفة الحق، ولقد بين الإمام الذهبي أن الدافع إلى مثل هذا الغلو، أو العمل الفاجر — كما سماه — هو الجهل: الذي حملهم على تجاوز حد الاعتدال في الحكم على المخالف، مؤكدا أن التعصب لا يحمل الخير وأن الخطأ لا يعالج بمثله، والأصل في عمل الداعية إرادة الصلاح ما أمكنه، وتجنبه للتعصب وابتعاده عن مسبباته أحد أهم أسباب نجاحه دعويا،.أولا: التعصب لا يتولد منه إلا تراجع دعوي، وتشتيت للجهود المصروفة في نتائجه، وهدر للوقت المبذول فيه، لأنه يتولد عنه في الغالب الأعم رد فعل مساو أو ربما زائد عليه، ذلك أن العصبية لا تعرف منطق العقل المعتاد، بل عمادها الحماس المشتعل وليس الحق المضيء. والتزام الداعية بالبعد عن التعصب يحفظ وقته من الهدر فيما لا ينفع، وهو في نفس الوقت ينم عن إخلاص الداعيه لله، وتجرده للحق، وهذا يعد مظهرا من مظاهر الاعتدال، ووسيلة للتحرر من العصبية المقيتة. والتقيّد بالدليل متى لاح له بادر بالانقياد له، وإن كان ذلك على خلاف المذهب الذي يعتنقه، أو قول الإمام الذي يعظمه، أو الطائفة التي ينتسب إليها.ثانيا: البعد عن التعصب يفتح المجال أمام الداعية إلى الحوار مع المخالف، ويجنبه شغل ساحته بما يضر ولا ينفع. فهناك رابط قوي بين الحرية الفكرية والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة — وهو ما يوجبه الإسلام — وبين التعصب للرأي الذي يحجب ما مضى من خير، ولقد فصل تلك المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وقال بصيغة الجزم: ولا يجوز لأحد التعصب مهما كانت دواعيه.ثالثا: رد الخطأ بمثله مسلك دعوي مرفوض، فقد يتفهم الناس خطأ رجل عادي، لأنه في النهاية منسوب إلى شخصه، لكنه من الداعية يختلف، فيأخذ أكبر من حجمه نظرا لخطورة موقع الداعية، وفي سيرة "أمير المؤمنين رضي الله عنه الأسوة الحسنة في موقفه من الخوارج الذين قاتلوه واتهموه بأشنع ما يتهم به مسلم عادي، فكيف بعَلَم الأعلام، وفارس الإسلام، زوج البتول، وابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وسيف الحق المسلول؟ فقد أنكر عليهم باطلهم دن أن يقابل تهمتهم بمثلها، أو يكفرهم كما كفّروه، بل استبقاهم في دائرة الإسلام، إحساناً للظن بهم، وحملاً لحالهم على أحسن المحامل" وقال كلمته المشهورة: إخواننا بغوا علينا..