30 أكتوبر 2025
تسجيلحين يكون الفعل على موعد مع التكرار، فيقابله تحت إلحاح الطلب، نخرج بنتيجة واحدة وهي حالة من الإشباع شئنا أم أبينا، سمحنا أم لم نسمح بذلك لأنه ما سيكون لا محالة، دون أن يمنعه شيء سوى كيفية خروجه، فهناك مَن سيظهر عليه ذلك واضحاً كقرص الشمس، حيث لا يمكنه الإنكار بتاتاً، وهناك مَن وإن تحكم بنفسه، وضبط قدراته على أن لا تُظهر ما قد تشبع منه، إلا أنه سيظل يُرسل إشارات من أعماقه ودون وعي منه تؤكد مدى تشبُّعه فعلاً، وما حدث لي منذ فترة لا بأس بها، هو تشبُّعي من الأمسيات المسرحية التي انهالت علينا وتوالت كنتيجة شرعية لإقامة مهرجان الدوحة المسرحي في دورته الأولى، وما تطلبه الأمر من تقديم عروض شاركت في مسابقة المهرجان، وأخرى شاركت على هامشه، أي أنه كل ما تطلِّب منا متابعة صارمة، وتغطية حقيقية لكل صغيرة وكبيرة معلّقة على رقبة المهرجان وتزين بها. الحديث لن يكون عما قُدّم وإن تناول العديد من الأفكار البراقة، التي خرجت وفي كل مرة ضمن رؤية إخراجية مختلفة يعتنقها مخرج العمل، ولكنه عن رغبة أهل المسرح، وأعني الرغبة الحقيقية بإرسال رسالة تحمل في جوفها ترجمة واقعية لأحداث المجتمع التي تشمل من القضايا والمشكلات ما يؤرِّقه ومَن فيه من أفراد، منهم مَن يغفلها لجهل يعاني منه، ومنهم مَن قرر تجاوزها؛ لأنها لا تمت له بصلة تستحق منه إفراز أي لون من ألوان الاهتمام، ومنهم مَن يودُّ إنجاب خطوة تُحسب ولكنه لا يدرك الكيفية، ومنهم مَن يدركها الكيفية، غير أنه لا يملك القدرة على فعل ما يتوجّب عليه فعله، ومنهم وهو الأهم مَن يملكها الكيفية والقدرة أيضاً، وينجز ولكن ضمن نطاق ضيق لا يتسع لإقامة مهرجان يحتفل بكل إنجازاته التي قام بها وقدمها؛ لذا نجد أنه وإن حقَّق شيئاً فإنه لا يحظى بكثير من الشكر والثناء ما يوازي كل جهوده. المسرح شأنه في الاهتمام بالمجتمع شأن كل وسائل الإعلام التي تُسلِّط الضوء على المشكلة وتطرحها؛ لتجد لها حلَّاً، ولكن يغيب أحياناً عنا كأفراد فرصة الالتفات لذاك الضوء والالتفاف من حوله؛ لمعاينة ما يحدث أصلاً، وهو الأمر الذي يقلِّص فرصة وجود الجمهور، الذي يدرك تماماً أن الحديث عنه وموجّه له من الأصل، كما يدرك أيضاً أن كل ما قد فُصل من فصول تحتويها المسرحية قد كان على مقاسه، فلا يعاني من ضيق حجمه الذي يمكن أن يُضيِّق عليه الخناق، فيفقد إثر ذلك قدرته على التعبير، أو أن يعاني من الوجود وسط ثوب فضفاض يضيع فيه دون أن يجد نفسه، أو أن يجد ما يمثله فيه فعلاً. حياتنا كمسرح حقيقي ينجب وفي كل مرة أحداثاً جديدة تتطلَّب منا قوة عظيمة؛ كي نواجهها، وخشبة المسرح ليست سوى حياة مصغَّرة تتناول بعض تلك الأحداث الحقيقية وتُضفي عليها نكهة خاصة تميِّز كل فرقة مسرحية عن الأخرى؛ لتقدم لنا ما يدور من أمامنا، ولكننا نغفله بسبب التزامات الحياة وما تفرضه تلك الالتزامات من ضغوطات لربما لا ترحم، ولكن ورغم ذلك نحاول وبكل جهدنا؛ كي نتخطاها، والسبيل إلى ذلك هو التعرُّف على ما نعاني منه؛ كي نعالجه معالجة حقيقية تقضي عليه وإن كان ذلك بشكل جزئي. وماذا بعد؟ لقد جاء مهرجان الدوحة المسرحي؛ ليأخذ ما بقلب كل مسرحي في قطر، فخرج ذلك بكثير من الأعمال التي تَقَلَّب معها الجمهور بين موجات من الضحك، ونوبات من البكاء، كانت كلها عنه وله ومن أجله، بل ومن أجل تسليط الضوء عليه وهو البطل الحقيقي لكل مسرحية قُدِّمت على الخشبة، مما يعني أن كل واحد منَّا وإن كان ضمن شريط الجمهور فسيجد نسخته على المسرح من أمامه، يبث المشكلة؛ ليفكر بالحل وبصوت عال لا بد وأن نستمع إليه بشكل فعلي. كلمة أخيرة اليوم تُعلَن نتائج مسابقة مهرجان الدوحة المسرحي ضمن احتفال ثقافي سيشهد كل الإنجازات المسرحية التي أُفرزت طوال الأيام الماضية، والحق أن كلمات الشكر والتقدير والمُباركة توجه سلفاً لمَن سيُكرَّّم إن شاء الله. [email protected]